للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحث

فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله

بكليّة الشريعة – جامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد:

فإن من عظمة الشريعة الإسلامية الغراء أنها تستوعب الحوادث – مهما كانت جديدة والقضايا مهما كانت خطيرة – من خلال قواعدها الكلية، ومبادئها العامة، وأدلتها التي تضبط الأمور المستحدثة وتبين أحكامها نصًّا أو استنباطًا.

وذلك لأن الشريعة نزلت من لدن حكيم عليم: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) } [سورة الملك] أنزلها بعلمه لتكون شريعته الخالدة الدائمة إلى يوم القيامة، ولتكون رحمة للعالمين في كل العصور والأزمان.

ومن هذا المنطلق كان بحثنا عن: حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة من خلال نصوص الشريعة العامة، ودلالاتها المعتبرة، وما ذكره فقهاؤنا العظام من أشباه هذه المسالة ونظائرها للوصول إلى ما هو أقرب إلى الحق والصواب، بإذن الله تعالى.

وقد رأينا أن يتضمن البحث للتعريف بهذه الآلات الحديثة بصورة موجزة، ثم الدخول في أحكامها الخاصة بإجراء العقود بها مباشرة، دون الخوض في مقدمات حول وسائل التعبير عن الإرادة المعروفة إلا بالقدر الذي يوضح المراد، ويحقق الهدف المنشود.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الوسائل الحديثة: التليفون، البرق، والتلكس، والفاكس، وغيرها. ليس من وسائل جديدة للتعبير، وإنما هي وسائل حديثة للتوصيل، وإلا فوسائل التعبير عن الإرادة لم تزل ولن تزال هي إما القول، أو الفعل – أي المعاطاة أو البذل – أو الإشارة أو الكتابة، أو السكوت في معرض البيان، ومن هنا يكون البحث عن حكم إجراء العقود بهذه الوسائل لا يتطلب البحث عن أمر جديد في ذلك النظام، وإنما يتطلب البحث عن مدى دخول هذه الآلات الحديثة في تلك الوسائل المعتبرة، ومدى انطباقها عليها، أو وجود فوارق بينهما، فالتليفون – مثلًا – يدخل في وسيلة اللفظ والقول، ولكنه لا شك يوجد نوع من الفروق من حيث المجلس ونحوه بين التعاقد بدونه، والتعاقد من خلاله، وهكذا بقية الآلات الحديثة.

ولذلك كله، لم نَأْلُ جهدًا في البحث عن تراثنا الأصلي للوصول إلى أشباه هذه المسائل ونظائرها، ثم البحث عن الفروق الأساسية، ثم الحكم الذي يرجحه الدليل مع وضع الضوابط والشروط إن اقتضى الأمر ذلك.

والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>