التشريع الإسلامي تشريع مرن، موافق لمصالح العباد، محقق لهم السعادة واليسر ورفع الحرج ودفع الضرر بما اشتمل عليه من أحكام، وما قامت عليه تلك الأحكام من قواعد وأسس ولقد مر على المسلمين ردح من الزمن وهم منغلقون على أنفسهم في دراستهم وفهمهم لفقههم الإسلامي الزاخر الفياض، لا يكادون يبتعدون عن الفهم الحرفي الضيق في الأعم الأغلب بالرغم مما يزخر به هذا الفقه العتيد من نظرات ثاقبة وآراء واجتهادات صائبة، حتى اجتاح العالم الإسلامي هذه الموجة من الحداثة وما تبعها من إعادة النظر فيما لدينا وما لدى غيرنا وما استتبع ذلك من المقارنات والدراسات.
ولئن كان عقد بيع الوفاء من العقود التي ابتكرها الفقه الإسلامي العظيم في حقبة من حقب تاريخه الناصع المشرق. ثم جاء من أبناء جلدتنا من تنكر لهذا الفقه ولهذا التاريخ ولهذه الدراسات الفقهية الدقيقة، فنحن اليوم أولى الناس بكنوزنا أن نفك عنها القيود والكبول وأن نستخرج منها الحلول للمشكلات الاقتصادية الجديدة.
لهذا اخترت هذا البحث وجعلت عنوانه:(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء) أو (توظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصر) وقدمته ورقة عمل لمجمع الفقه الإسلامي بجدة الذي أشرف بأني أحد أعضائه المؤسسين والعاملين، لعلها تنال من الدرس والاهتمام ما يسدد ويصوب ويتمم، وأقمته - أي البحث - على مدخل ومقصد وخاتمة ... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.