في صراع الحضارات، واختلاف أنماط الحياة، وتوزع الفكر، وتشوش الرؤية، يقف المسلم في مفترق الطرق حائرا لا يدري أين يتجه، وما هو الذي سيؤدي به لشاطئ الأمن، وفي اختلاف المذاهب والآراء تضيع الخاصة من الناس المثقفين بالثقافة العامة فكيف العامة؟ وهنا تظهر مسؤولية أهل العلم لدرس النوازل والوقائع وبيان حكم الشريعة فيها شأن العلماء السابقين سلفنا الطاهر رضوان الله عليهم.
وصحيح ما ينادى به بعض الأفاضل من ضرورة الاجتهاد الجماعي ولا سيما الآن، ولكن حتى يحصل هذا المطلوب الكبير لا يجوز لنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجد من الحوادث، فلكل حادثة حكم شرعي هو حكم الله تعالى فيها علمه من علمه وجهله من جهله.
وأهم ما يقف بوجهنا الآن من شؤون الحضارة الحديثة ومشكلاتها (عقود التأمين وإعادة التأمين) ولقد سئلت عن هذا الأمر من جهات متعددة وإنني الآن أعرض ما ظهر لي بعد الدراسة والتمحيص في مراجع الفقه الإسلامي والفقه الغربي ولا أدعي أن ذلك حكم الله تعالى في الأمر بل هو رأيي ورضى الله تعالى عن الإمام أبي حنيفية القائل "علمنا هذا رأيي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه". وينبغي أن يكون ذلك دستور العلماء ...
والعلماء قد يختلفون وقد يتفقون، ولكن كل واحد منهم يقدر الآخر حق قدره، ويمنحه خالص الود والاحترام، فقديما قالوا:"الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" فالغرض الرئيسي من هذه الكتابة وأمثالها بيان وجه الحق فقط، فمتي ظهرت أمارات الحق وتحققت المصلحة فثم شرع الله ...
وقد عقدت هذه الدراسة على ثلاثة فصول.. كل فصل على حدة ... وخاتمة في البديل الإسلامي، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.