فضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي، أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة دمشق، والمعار حاليا إلى جامعة الإمارات ـ كلية الشريعة والقانون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا بحث في زكاة الأسهم في الشركات.
سبب وجود التعامل بالأسهم والسندات:
إن الإنسان حريص دائما على تحقيق الأرباح وابتغاء فضل الله من خلال التجارة الفردية أو الخاصة، والجماعية أو العامة، وذلك عملا بترغيب الشريعة واستجابة لحب النفس الفطري في تنمية المال واستثماره؛ كيلا تأكله الصدقة، وتستأصل الزكاة أصل رأس المال مع مرور السنوات والأعوام.
وقد لا يتمكن رأس المال الخاص في الغالب من تمويل المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية الكبرى، التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، كالشركات المساهمة التي تتطلب أموالا كثيرة لوجودها، فظهر في العصر الحديث طريقة تجزئة رأس المال الكبير بواسطة ما يسمى بالأسهم التي تطرح في الحياة الاقتصادية، وتسدد قيمتها من مئات أو آلاف الناس.
وقد تحتاج الشركة القائمة إلى الاقتراض من الأفراد، فتلجأ إلى ما يسمى بالسندات في مقابل دفع فائدة مقطوعة معينة.
وكل من الأسهم والسندات تسمى في العرف الاقتصادي الحديث بالأوراق المالية، التي يتداولها الناس عامة فيما بينهم، إما بواسطة الإعلان في الجرائد أو الصحف اليومية، وإما في أسواق خاصة تسمى بورصات الأوراق المالية.
وقد تساءل الناس منذ ظهور الشركات المساهمة من أكثر من أربعين عاما عن حكم التعامل بالأسهم والسندات حلا وحرمة، وعن حكم الزكاة الواجبة فيها، ومن تجب عليه الزكاة؟ وأفتى علماء العصر بفتاوى متشابهة في مشروعية التعامل بالأسهم وحرمة التعامل بالسندات، لما تشتمل عليه من الربا بسبب دفع فائدة مقطوعة على مبالغ الديون المدونة فيها. واختلفوا في نسبة الواجب في الزكاة أهي ربع العشر أم العشر؟ كما اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة الأسهم، أهو مالك السهم أم الشركة؟ ولكنهم اتفقوا على وجوب الزكاة على كل من الأسهم والسندات إذا بلغت قيمتها النصاب الشرعي، وإن اختلطت السندات بالحرام وصاحبها الربا وخبث الكسب؛ لأن الحرمة المصاحبة لجزء من المال لا تمنع من فرض الزكاة، بل إنه على العكس لا سبيل إلى التخلص من المال الحرام إلا بالصدقة به.