للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستنساخ البشري

بين الإقدام والإحجام

إعداد

الدكتور أحمد رجائي الجندي

الأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستنساخ البشري بين

الإقدام والإحجام

لقد حفل القرن العشرون بتطور تكنولوجي هائل في العلوم الأساسية والذي انعكس بدوره على المجالات التطبيقية وكان نصيب الطب منها حظًّا وافرًا، ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت بأن ما شهدته الخمسون عامًا الماضية من تطور وتقدم يعتبر أكثر بكثير مما أحرزته البشرية في القرون الماضية، ومن بين ما أنتجته وأفرزته العلوم البيولوجية (الهندسة الوراثية) التي أصبحت حديث الساعة، وتطالعنا الأنباء بتقدم كبير يومًا بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، فقد استطاعت هذه التقنية الجديدة في علم الوراثة أن تشرح الكثير مما غمض أو غم على العلماء من قبل، بل هي الآن في مراحل متقدمة سيشهدها القرن الحادي والعشرون بتطبيقات كبيرة في علاج الأمراض المستعصية، فقد أصبح العلاج الجيني قاب قوسين أو أدنى أن يظهر إلى حيز الوجود وتتناقله الصيدليات لاستخدامه في علاج أمراض كثيرة.

وقد قدر العاملون في هذا المشروع بأنه في عام ٢٠١٠ سوف يشهد العالم إعلان الخريطة الجينية للجسم البشري، والتي عن طريقها سوف يعرف الكثير من المعلومات الصحية والأسباب المرضية والتوقعات للمسيرة الإنسانية في المستقبل، ورغم أهمية هذا الجانب إلا أنه أثار العديد من المشاكل الأخلاقية المتعلقة بسرية المعلومات وأهميتها ومن له الحق في تداولها وإصدار القرار المبني على معرفتها، إلى غير ذلك من الأسئلة التي يحاول علماء الأخلاقيات والمهتمون بها وعلماء الأديان عاكفين على محاولة الإجابة عنها، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية تولي هذا الموضوع أهمية كبرى وستدعو في القريب العاجل إلى ندوة لدراسة الحِل والحرمة من منظور إسلامي لكل ما ظهر حتى الآن في هذه الموضوعات.

وما لبث هذا الموضوع الساخن والهام يبدأ في تفهمه العامة والخاصة والتشوق لسماع أخباره حتى ظهر موضوع الاستنساخ البشري الذي أثار ضجة كبرى، وتناولته الأقلام بانفعال شديد اضطرت الحكومات ورؤساؤها والبرلمانات وعلماء الأخلاقيات والأديان أن يناقشوا الموضوع تحت ضغط الرأي العام، وصدر العديد من الفتاوى والآراء قبل أن يدرس الموضوع دراسة علمية متأنية، إن موضوع الاستنساخ هو محاولة أنانية للتغلب على الموت أملًا في الخلود باستمرار نسخ الشخص نفسه واستنساخه جيلًا بعد جيل وهذه المحاولات للخلود ليست الأولى فقدماء المصريين كما يحكي لنا التاريخ اعتقدوا بأن الموت مرحلة ستعقبه مرحلة حياة أخرى، ولذلك وضعوا بجانب جثث موتاهم المحنطة ما لذ وطاب من أصناف الأكل والشرب التي كان يحبها المتوفى اعتقادًا منهم بأنه سيصحو يومًا ما فيجد مأكله ومشربه حاضرًا بين يديه، والشيطان عندما أغوى آدم سأله

{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠]

نظرة تاريخية: إن أول من تنبأ بعلم الاستنساخ البشري هو العالم النمساوي هبرلانت، عام ١٩٠٢ حيث قال: التكاثر النسخي سيطبق يومًا ما. ورغم أن نبوءته هذه جاءت في أوائل القرن الحالي ولم يكن علم الوراثة قد استقر بعد إلا أن هذه النبوءة بدأت بوادر تحققها تظهر في أواخر القرن العشرين، وظل الحديث هكذا بين المد والجزر حتى أوائل الستينيات حيث قام البروفسور (إف، سي ستبورد) وزملاؤه في معهد (كورتل) بأخذ بعض خلايا الجزر ووضعها في وسط غذائي دقيق الإعداد يحتوي على حليب جوز الهند فحدث أمر مرعب، حيث بدأت بعض هذه الخلايا بالانقسام كما لو كانت ملقحة، وهي في الواقع لم تكن ملقحة أبدًا، حتى إن بعض الخلايا الناشطة انبثقت منها البراعم وأرسلت الجذور، وفي أوساط غذائية أخرى تفرعت منها أغصان خضراء ونما بعضها إلى أن تحول إلى جزر ناضج طبيعي في كل شيء، ومن هنا أطلق عليها Clones وأصلها يونانية Klan التي تعني الحشد أو الشتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>