للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توحيد بدايات الشهور القمرية

(الشمس والقمر بحسبان)

لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

التكليف في الإسلام على ما هو معروف عند أهل العلم أنه بقدر الطاقة والوسع قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ونعرف حتى في شهر رمضان، يختلف حكم الصوم باختلاف حال المكلفين والمريض والمسافر مثلًا بوسعهما أن يفطرا لأن التكليف لازم دائمًا لقدرة الإنسان، وهنالك أمر آخر، قال العلماء: المرء قادر بنفسه عاجز بغيره بمعنى أن كل تكليف شرعي إنما يناط بقدرة الفرد أو قدرة الجماعة، لنضرب على ذلك مثلًا: فرض الوقت ظهر الجمعة، قال العلماء: فرض الوقت هو الظهر، إذن كل مكلف يستطيع بانفراده أن يؤدي هذه الفريضة ولكن إذا توفرت شرائط الجماعة وجب أداء الجمعة وإسقاط الظهر.

ومن هذا المنطلق: إنا أمة صرنا قادرين على الحساب وهو أحد وجهي إثبات ولادة الهلال ودخول الشهر، ولم يعد الحساب في زماننا ضمن التنجيم ولكنه يناط به عند الشرق والغرب، أخطر القضايا ولا تقل عندهم أهميته عن تعبدنا بإثبات الهلال، وصار من البديهيات المعروفة أن حساباتهم الفلكية يكاد ينعدم منها الخطأ إطلاقًا، وأن معلوماتنا تؤكد بأن أوجه الخلاف بين أهل العلم قاطبة في هذا المجال جزء من ألف الثانية، وهذا كما تعلمون لا يؤثر في ولادة اليوم، ومما هو مسلم أن الأرقام الحسابية أدق حتى من الرؤية، وإلى ذلك أشار غير واحد من العلماء المسلمين من السلف والخلف بما فيهم علماء المنطق لأن الحواس التي تعتمد عليها قد تخطئ، وخاصة في مثل هذا المجال.

ولئن قيل: إن الحاسبين أيضًا قد يخطئون فنعود إلى الإجابة بأن خطأهم لا يتجاوز ما ذكرنا من الوقت بينما خطأ ملتمس الهلال بوسيلة البصر هو أكثر وكتب الفقه مشحونة بذلك.

وإن أول كلمة نزل بها الروح الأمين هي {اقْرَأْ} وإن قراءتنا باسم ربنا أوصلتنا إلى حقائق ثابتة لا تتعارض ولا يمكن أن تتعارض البتة مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتلمسون يا سادة أن أمصار المسلمين كان لا يصل بينها ما يصلها الآن من وسائل الاتصال الحديث وكأن العالم كله صار مصرًا واحدًا، وأن الكرة الأرضية تكاد تكون أمام علماء الفلك بمثابة الكرة الصغيرة يحيط بها من جميع جوانبها عبر الآلات الحديثة، وأن التنجيم الذي نفاه علماء المسلمين سابقًا نحن أشد نفيًا له لأنه ينطلق من مسلمات وافتراضات، بينما علماء الفلك ينطلقون من حقائق ثابتة لا مجال للشك فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>