عقد التأمين من العقود التي لا يوجد لها أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية ولم يبحثه الفقهاء المسلمون المتقدمون لأن نظام التأمين نظام حديث نقل إلينا من الغرب مع ما نقل من أنظمة وقوانين.
وأول من كتب عن هذا النظام من الفقهاء المسلمين ابن عابدين رحمه الله فقد ذكر ابن عابدين في كتاب المستأمن من كتاب الجهاد أحكام التجار الأجانب الذين يدخلون دار الإسلام مستأمنين فذكر ما يلي:
جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له أجرته ويدفعون له أيضا مالا معلوما لرجل منهم يقيم في بلاده يسمى ذلك مال (سوكره) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار (مال السوكره) وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، ثم قال ابن عابدين: والذي يظهر له انه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم.
وابن عابدين بتعليله أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأنه التزام ما لا يلزم. أي أن المؤمن الذي أسماه (صاحب السوكرة) وهو المعروف الآن بشركات التأمين قد ألزم نفسه بدفع ماله تعويضا للتاجر الخاسر بأنه التزام لم يلزمه الشرع بذلك وما لا يلزم الشرع به لا يحل أخذه.
وقد اعتبر ابن عابدين مسألة التأمين كالوديع أو المستعير أو المستأجر إذا اشترط عليهم في عقد هذا الإيداع أو الإعارة أو الإجارة ضمان قيمة الوديعة أو العارية أو المأجور إذا هلك قضاء وقدرا دون قصد ولا تقصير فإن هذا الضمان لا يصح كما هو في المذهب الحنفي.
وابن عابدين تحدث عن التأمين البحري لأنه كان أول تأمين ظهر في البلاد الإسلامية بسبب النشاط التجاري بين الغرب والبلاد الإسلامية، وهذا ينطبق تماما على التأمين التجاري والمالي في الوقت الحاضر.
وقد ذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتى الديار المصرية الأسبق المتوفى سنة ١٩٣٥ رحمه الله في التأمين ما يلى:
إن المقرر شرعا أن ضمان الأموال إما أن يكون بطرق الكفالة أو بطريق التعدى أو الإتلاف، أما الضمان بطريق عقد الكفالة فليس متحققا هنا لأن شرطه أن يكون المكفول به وبنا صحيحا لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء أو عينا مضمونة بنفسها بل يجب على المكفول عنه تسليمها بعينها للمكفول له فإن هلكت ضمن مثلها في المثليات وقيمتها في القيميات والأصل في ذلك قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي كفيل.