للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدهور القيمة الحقيقية للنقود ومبدأ التعويض

ومسؤولية الحكومة في تطبيقه

إعداد

أ. د. عبد الرحمن يسري أحمد

جامعة الإسكندرية

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

تناول الفقهاء قديمًا ظاهرة غلاء ورخص النقود العرفية أو الاصطلاحية (الفلوس) بطرق شتى. ولا نجد إشارة واحدة منهم تدل على أن هذه الظاهرة كانت من الظواهر الخطيرة المزمنة والمستعصية. فالنظام النقدي اعتمد قديمًا على الذهب والفضة أساسًا، وعلى الفلوس بصفة ثانوية لزمن طويل، وحتى حينما تزايد الاعتماد في وقت لاحق على الفلوس والنقود الذهبية والفضية المغشوشة، وحلت هذه محل النقود النفيسة لم يدر بخلد أحد من الفقهاء القدامى أن النقود في طريقها لتصبح كلها اصطلاحية، أو أن ظاهرة الغلاء الشديد التي كان يقابلها رخص مفرط أحيانًا في قيمة النقود الاصطلاحية يمكن أن تصبح مزمنة وحادة. ولقد سجل المقريزي المؤرخ الإسلامي المعروف ظاهرة الغلاء الشديد، والذي قابله رخص مفرط في قيمة الفلوس، إلى الحد الذي جعل الناس ينبذونها ولا يتعاملون بها، ولكنه كبقية أهل عصره ومن سبقه من أهل العلم لم يتصور دوام هذه الأحوال، أو إمكانية الاستغناء عن نقود الذهب والفضة الخالصة الجيدة.

وفي عصرنا الحديث حيث أصبحت النقود كلها اصطلاحية بالإلزام كالنقود الورقية، أو بالعرف كالنقود المصرفية، تعرضت بلدان العالم المختلفة لظاهرة الغلاء أو التضخم، كما هو المصطلح الشائع، بدرجات مختلفة ولفترات طويلة اختلفت في طولها، ولم تنج البلدان الإسلامية من هذه الظاهرة، بل إن بعضها عانى منها بشدة وما يزال. والجدول (١) يبين معدلات التضخم المسجلة رسميًا في عدد من البلدان الإسلامية، علمًا بأن المعدلات الفعلية قد تكون أعلى بكثير كما دلت بعض الدراسات.

<<  <  ج: ص:  >  >>