الحمد لله نحمده الحمد كله، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد؛ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي سنة ١٩٨٩ م نشر الاقتصادي الفرنسي المشهور الذي حاز في سنة ١٩٨٨ م على جائزة نوبل في الاقتصاد مقالاً عنوانه " من الانهيار إلى الازدهار"(١) حذر فيه مما أسماه مصيبة الديون، وذكر فيه أن تراكم الديون لا يؤثر على الاستقرار الاقتصادي فحسب، بل إنه أضحى خطرًا يهدد الحضارة الإنسانية برمتها.
والأدلة تترى على صدق توقع هذا الخبير، ذلك أن ما وقع في بعض دول العالم ابتداءً من المكسيك في سنة ١٩٩٥م، ثم انتهاءً بجنوب شرقي آسيا في سنة ١٩٩٧ م، وروسيا ١٩٩٨م؛ إنما سببه الأساس تراكم الديون وتداولها بالبيع وإنشاء أسواق لها يتولد عن المعاملات فيها أرباح صورية، إذ لا يتصور أن يتولد الفائض إلا من العمليات الإنتاجية الحقيقية التي تتمخض عن سلع أو خدمات. فإذا تراكمت هذه الديون على صفة أهرامات مقلوبة كما وصفها (موريس آليه) انهارت لتخلف وراءها اقتصادًا محطمًا استلبت منه ثمرة جهود أبنائه وعرقهم.
وهكذا يتبين لنا تفوق نظام الإسلام على كل ما سواه إذ منع من بيوع الدين ما فيه هذه الأضرار، وأباح منها ما يتحقق منه المطلوب من تيسير المعاملات وتحقيق الكفاءة في الأسواق دون أن ينتهي إلى هذه الآثار السيئة.
وهذه الورقة عرض لمسألة الديون وأنواع معاملات البيع التي تجري فيها وصفة البيع الجائزة، وسندات القرض وبدائلها المشروعة.
نفع الله بها كاتبها وقارئها.
(١) وقد نشر مترجمًا إلى العربية في العدد الأول من المجلد الأول من مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي، مجلة الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي، ١٩٩١م.