الحمد لله الذي كرمنا بقوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}[الإسراء: ٧٠] ، وشرفنا بالهداية إلى الحلال والحرام. والصلاة والسلام على محمد الذي كشف النور عن الظلام وعلى آله وأصحابه وفقهاء أمته إلى يوم القيامة.
أما بعد فإن بيع الوفاء عند الحنفية هو أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بما لك علي من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي كما في قواعد الفقه للمفتي عميم الإحسان، وبيَّن علاء الدين الحصكفي في كتابه الدر المختار صورته أن يبيعه العين بألف على أنه إذا رد عليه الثمن رد عليه العين.
وسماه الشافعية بالرهن المعاد ويسمى بمصر بيع الأمانة وبالشام بيع الإطاعة ووجه تسمية بيع الوفاء أن فيه عهدًا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن. وبعض الفقهاء يسميه بيع الجائز ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه - وبعضهم يسميه بيع المعاملة ووجهه أن المعاملة ربح الدين وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه [كذا في رد المحتار: ٤/٣٤١] .
وبيع الوفاء هو الرهن حقيقة في صورة البيع وهو الصحيح كما نقله ابن العابدين في رد المحتار على الدر المختار عن جواهر الفتاوى قال في الخيرية: والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الأحكام. قال السيد الإمام: قلت للإمام الماتريدي: قد فشا هذا البيع بين الناس. وفيه مفسدة عظيمة وفتواك أنه رهن وأنا أيضًا على ذلك فالصواب أن يجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس، فقال: المعتبر اليوم فتوانا وقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله. وبه صدر في جامع الفصولين فقال رامزًا لفتوى النسفي: البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا وسموه بيع الوفاء هو رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجره ويسقط الدين بهلاكه لو بقي، ولا يضمن الزيادة وللبائع استرداده إذا قضى دينه. لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام. اهـ، ثم نقل ما مر عن السيد الإمام وفي جامع الفصولين ولو بيع كرم بجنب هذا الكرم فالشفعة للبائع لا للمشتري لأن بيع المعاملة والتلجئة حكمهما حكم الرهن وللراهن حق الشفعة وإن كان في يد المرتهن. اهـ ... [رد المحتار: ٣/٣٤٢] .