الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على النبي الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين، وبعد. . .
فهذا البحث أقدمه للمؤتمر الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي الموقر عن موضوع حسابات الاستثمار المشترك. وهو موضوع سبق لي مناقشته في عدة أبحاث سابقة، كما أنه نوقش في المؤتمر التاسع للجمع الذي عقد في مدينة أبو ظبي ـ دولة الإمارات العربية المتحدة، في عام ١٤١٥ هـ = ١٩٩٥ م، وكان لي شرف الإسهام فيه ببحث تحت عنوان (الحسابات المصرفية) . وهذا العنوان يشمل بالإضافة إلى الحسابات الاستثمارية، نوعًا ثانيًا، هو الحسابات الجارية.
وكان اهتمامي في ذلك الوقت منصبًّا بصفة أساسية على هذا النوع الأخير، لما له من ارتباط قوي بالسياسات النقدية والمصرفية للدولة ككل. لذلك لم أتمكن من بحث كافة المحاور الخاصة بالنوع الأول (الحسابات الاستثمارية) ، حيث بقي منها عدد غير قليل، كنت أرى أنه هو الآخر جدير بالبحث، والحمد لله فقد وجدت الآن في دعوة المجمع الموقر لي فرصة طيبة لإعادة بحث هذا الموضوع بشيء من التفصيل ووضعه أمام السادة العلماء للمناقشة، ولأبين ما قد يحمل في ثناياه من أبعاد لها انعكاسات هامة على العلاقة بين البنك وعملائه من المودعين، وقد شجعني على ذلك أن المحاور التي اقترحتها أمانة المجمع تغطي معظم النقاط التي كنت أتطلع للكتابة فيها.
أما عناوين المحاور المطلوب مناقشتها في هذا البحث فقد بيَّنتها في الفهرس حسب الترتيب الوارد من أمانة المجمع، ولأن عددًا من تلك المحاور يرتبط بعضه ببعض في الأحكام الخاصة بكل منها، فقد قسمت البحث بعد هذه المقدمة القصيرة ـ والتي ألحق بها بعض التعريفات المختصرة لأنواع الحسابات التي تفتحها البنوك الإسلامية لعملائها، إلى ثلاثة مباحث رئيسة، تناول المبحث الأول منها موضوع خلط الأموال في وعاء المضاربة، أما الثاني فيشمل كافة القضايا المتعلقة بالتخارج ونض المال والسحب من الحسابات الاستثمارية، وأما المبحث الثالث والأخير فهو يستعرض الآراء التي أثيرت حول موضوع ضمان البنوك لأرصدة هذه الحسابات، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.