للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجلي مرونة الفقه الإسلامي

أمام التحديات المعاصرة

إعداد

فضيلة الأستاذ محمد الأزرق

مدير ديوان وزير الأوقاف المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

الموضوع: تجلي مرونة الفقه الإسلامي أمام التحديات المعاصرة.

إن الإسلام باعتباره نظاما كاملا للحياة، أناط بالدولة الإسلامية القيام برعاية شئون الأمة في مختلف الميادين، ومكنها من الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الرعاية. ومن الأدلة الشرعية تتبين أنواع مواد الدولة المالية. وكيفية تحصيلها وتنظيمها والمسالك التي تصرف فيها، تحقيقا للتنمية في ظل الأحكام الشرعية المأخوذة من الكتاب والسنة. ومما ترجح من أقوال الأئمة المجتهدين، اعتبارا لكونها تؤخذ بغلبة الظن حيث لم يشترط فيها القطع واليقين كما لا يشترط في العقائد، واعتبارا كذلك لما تفرض المصلحة العامة.

فالدولة الإسلامية أيام ازدهارها لم تقف في طريقها المستجدات والطوارق التي كانت تحدث، بل استطاعت أن تتكيف مع الظروف التي واجهتها في مسيرتها منذ الفتوحات الأولى وانعكست الآثار الإيجابية للفقه الإسلامي على مختلف البيئات الجديدة، وهكذا تمكنت الدولة الإسلامية من مواجهة الظروف الناتجة عن وفرة المداخيل، ومن مواجهة الأعباء التي تتحملها في مختلف المجتمعات، اعتمادا على أحكام الشرع ومبادئه المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقف الفقه الإسلامي قط عقبة في وجه التطور، وذلك لقدرته على إيجاد الحلول في مختلف العصور ومختلف البيئات حيث أن مبناه على جلب المصالح ودرء المفاسد، وقد كانت أحكامه هي السائدة في كل الميادين، وما ذلك إلا لما يتميز به من ثراء ومرونة، وما يزخر له من نظريات سواء في أصوله وفروعه.

إن هذا التراث الفقهي الذي نعتز به والذي يعتبر مفخرة من مفاخرنا نستطيع باستيعابه والبحث في أسراره وحكمه التغلب على ما تواجهه أمتنا الإسلامية في عالمنا المعاصر مما يمكننا من رفع هذا الصرح من جديد والرفع في ظل مبادئه وقيمه بمجتمعاتنا على التقدم والرقية، فنهضتنا هي في النهوض بتشريعنا، ولا يتحقق هذا إلا بإعطائه ما يستحق من العناية والاهتمام وتوفر كامل شروط البحث فيه، وجعله في متناول الدارسين والباحثين، لتتذوق مختلف الأجيال دقته ونتائجها وتتمكن من الغوص في جزيئاته ومدارك أئمته لتدرس قضايا كل عصر على ضوء المقاصد الشرعية والأحكام الدينية المستنبطة من الأصلين الأصيلين الكتاب والسنة لتوجد حلولا، مستمدة من تشريعنا، ومضيفة إليه آراء واجتهادات يسير فيها الخلف على سنن السلف، ذلك أن الواقع الجديد والتطور باستمرار يعرض مشاكل وقضايا لم تكن معروفة من قبل، ومن واجب علماء المسلمين المختصين في الفقه الإسلامي أن يواجهوها بكل عناية وإخلاص كما هو المطلوب منهم والمعهود فيهم ليتقدموا بحلول لها وفق مبادئ الشرع الحنيف.

وإن لنا في الفروع الفقهية مجالا خصبا للبحث، وذخيرة تعيننا على تحقيق غايتنا. فالفقه الإسلامي من سماته الارتباط بالمجتمع وقضاياه، وخير دليل على هذا الارتباط المكانة التي أولاها الفقهاء للعرف تعقيدا وتفريعا عليه مستندين في كل ذلك إلى السنة، وما سار عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم من سلف هذه الأمة.

كما أن لنا في الأصول ميدانا رحبا، نظرا لتعدد مصادر التشريع وقدرتها على استيعاب وإدراج العديد من الجزئيات تحت كلياتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>