الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم.. وبعد:
فهذا بحث في زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة، مقدم إلى الدورة السادسة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي - جدة.
وقبل الدخول في مقدمة البحث يجب التنبيه على أن مسار البحث يقتضي الإشارة إلى أن الأجنة المجهضة عمداً كعملية تجارية كما هو اليوم في غالب الغرب الرأسمالي أو حتى بدون عملية تجارية ليست داخلة في بحثنا كونها معلومة التحريم من الدين بالضرورة. وإنما الذي يدخل في بحثنا هذا إنما هي الأجنة التي تعطى حكم انعدام الحياة بالضرورة ويكون إجهاضها من الأمور الطبيعية التي لا دخل فيها للإنسان قطعا لباب سد الذرائع، فهذا هو مناط البحث ومتعلقه؛ وهذا أوان الشروع:
المقدمة:
نظراً لكون الموضوع من الأمور المستجدة بعد أصحاب المذاهب الأربعة حيث لا يوجد فيها - حسب علمي - نص من كتاب ولا سنة ولا قول إمام من أئمة علماء الإسلام. بالإضافة إلى كونه من المواضع التي قد تلتبس أبعاده وغاياته الشرعية. لذا فلا بد من بسط الموضوع في هذه المقدمة تطبيقاً للقاعدة الأصولية التي تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره. من هنا يمكننا أن نتصور إنساناً قد تعرض لحادث مفجع وخرج منه مجدوع الأنف مقطوع الأذن مكسور الرأس مبتور الذراع والساق مفقوء العين مهشم الأسنان والفكين مشلولا في أحد الطرفين فاقداً لبعض دمائه وجلده وعظامه إلى آخر هذه العاهات التي تترك بصماتها وتشوهاتها على الإنسان المصاب. ولو فرضنا بأن هذا الإنسان يمكنه أن يعيش، فإنه عندئذ سيكون أشبه بحطام كائن حي لا فائدة فيه ولا مأرب في حياته؟ ما رأي الإسلام وشريعته الخالدة بعد أن تجاوز العلم هذه الصورة المأساوية التي كانت في الماضي لا علاج لها إلا الموت؟ لكنها لن تكون كذلك في عصرنا الحاضر أو المستقبل، حيث أصبح العلم اليوم يصلح عيوبه ويرمم ما تهدم منه، وبالتالي تختفي كل إصابة حلت به ويعود إلى الحياة بدون عاهات. لقد كانت هذه المنجزات العلمية بالماضي أضغاث أحلام أو شطحات خيال، لكنها أصبحت في عالم اليوم حقيقة بفضل التقدم المذهل الذي حققته وتحققه العلوم التجريبية خاصة فيما يتعلق بقطع الغيار البشري التي بدأت تغزو أسواق العالم وتنتشر فيها كتجارة رابحة تدر آلاف ملايين الدولارات كل عام.