فلم يعد الطبيب أو الجراح أو الصيدلي هو المسؤول الوحيد عن مشاكل الجسم البشري بل دخلت في ميدانه تخصصات أخرى جديدة لم يكن أحد يسمع بها أو عنها من قبل ذلك، لقد أثبت العلم بأن الجسم البشري ينطوي على أسرار مذهلة وأحكام متقنة، وكأنما هو قد جمع في داخله كل أساسيات العلم أو التكنولوجيا الحديثة، ولكي ندرك كيف يشتغل فلا بد أن نتعلم منه الشرائع والأحكام والقوانين التي تهيئ له من أمره رشداً، ولا شك بأن ذلك يستلزم جيشا متكاملاً من العلماء ومن كل التخصصات حتى لكأنما هذا الجسم قد أصبح كوناً قائما بذاته أو كأنما ينطبق عليه قول المتصوف الإسلامي محيي الدين بن عربي: أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟ تلك نظرة تصوفية شاعرية صحيحة ولا شك أنها قد سبقت زمانها، ذلك أن البعض ينظر إلى الجسم كآلة حية على درجة هائلة من التعقيد والكفاءة والتنظيم وبحيث يتعلم منها العلماء كل يوم جديد فيرون فيها آيات من الخلق المذهل الذي يستحق الإعجاب والتأمل والدراسة، ولا يختلف في ذلك المتخصصون في العلوم الطبية أو البيولوجية من علماء الكيمياء أو الفيزياء والهندسة والكهربة والإليكترونيات، وعلى علماء الرياضيات الذين يحاولون استنباط المعادلات أن يعلموا بأن فن صناعة الجسم البشري والأسرار العلمية التي لا زالت مجهولة فيه والمودعة في كيانه والتي لو وصل العلم إليها لاحتارت عقول علماء كنا نعدها رائدة في هذا المجال، عليهم أن يعلموا بأن هذا الجسم هو من صناعة العليم الخبير الذي أتقن كل شيء صنعاً، والقائل:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} علهم يدركون بمعادلاتهم التنسيق المتقن والتوازن المقدر بحيث يضعون أمام تخصصاتهم الأخرى نتائج معادلاتهم التي قد تنبئهم بما خفي عليهم من أسرار في داخل الجسم الإنساني. ولا غرو إذاً أن تظهر في عصرنا الحديث علوم عديدة يجتمع فيها أكثر من تخصص ليخدم بعضها بعضأ، وبهذا تنجز ما لا يمكن أن ينجزه تخصص واحد، فخرجت إلى الوجود تخصصات جديدة تعرف بأسماء شتى إلا أن هدفها واحد هو خدمة الجسم البشري في أمراضه وعاهاته وتشوهاته وبهذا أصبحنا نسمع اليوم عن درجات علمية تمنحها المعاهد والجامعات لخيرة أبنائها.