للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم أعمال البرصة

في الفقه الإسلامي

إعداد

فضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم أعمال البرصة (١) . في الفقه الإسلامي

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونسأله عز وجل السداد والرشاد. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فإن ديننا العظيم الذي شرع العبادات كان موقفه من المعاملات أنه نظمها، فجاء والناس يتعاملون، فأخذ ينظم هذه المعاملات: حرم منها ما حرم، وأحل منها ما أحل، وعدل منها ما عدل.

أحل البيع وحرم الربا، ووجدت أسواق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هو بنفسه عليه الصلاة والسلام يمر على هذه الأسواق، وأرسل من يراقب الأسواق في مكة لما كان في المدينة.والخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم كانوا أيضا يراقبون الأسواق. ونعرف أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان لا يسمح لتاجر بأن يدخل سوق المسلمين إلا إذا كان عالما بفقه المعاملات حتى لا يقع في الربا، وكان يلاحظ عندما يدخل السوق ألا يكون ضرر بالمشترين ولا بالبائعين، ليست المسألة حماية المشترين فقط كما قد يتبادر إلى الأذهان، وإنما أيضا بالنسبة للبائعين فيذكر أن أحد البائعين أراد أن يبيع أقل من السوق فقال له: إما أن تبيع مثلهم وإما أن ترحل عن سوقنا. إذن هنا حماية للمشترين وحماية البائعين، وفرق بين أولئك البائعين الذي يستحقون الحماية، وبين بائعين محتكرين مستغلين جشعين.

وضعت القواعد العامة في البيوع، ولما تطورت الأسواق في ظل النظام الإسلامي كان التطور في حضانة الإسلام، ولذلك عندما نشأت عقود جديدة ومعاملات مستحدثة في تلك العصور: في القرن الثاني مثلا تعتبر مستحدثة بالنسبة للقرن الأول، وعقد ينشأ في القرن الثالث يعتبر مستحدثا بالنسبة لما قبله، وهكذا، كانت النشأة في حضانة الإسلام، ولذلك ما كان يأتي عقد من العقود، أو تنشأ معاملة من المعاملات إلا في ظل الإسلام، فإذا كانت تتفق مع كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ضوء المبادئ الإسلامية العامة أخذ بها، وإلا فلا يؤخذ بها.

ولهذا انتظمت الأسواق، وظهرت وظيفة المحتسب: والمحتسب كانت الوظيفة الأساسية له وظيفة دينية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أنه أيضا كان يراقب الأسواق، فيمنع الغش في الكيل أو الوزن أو البضاعة وهكذا.

ولهذا وجدنا أن البائع يستفيد وأن المشتري يستفيد، وبين البائع والمشتري محبة ومودة وأخوة إسلامية، لا عداوة كالتي نراها بين المقامرين، لا يكسب هذا إلا على حساب ذاك، إذا خسر هذا ربح ذاك، أما في البيع الحلال فالبائع يبيع للمشتري ويدعو له، والمشتري يأخذ من البائع ويدعو له. والبائع إذا عرف أن المشتري أخذ يتاجر فباع فكسب يفرح لهذا ولا يغضب، إنما المقامر ربحه مرتبط بخسارة غيره لا يربح إلا إذا خسر غيره.


(١) البرصة: فتق في الغيم يرى منه أديم السماء، وبقعة في الأرض لا تنبت شيئا. وفي علم الاقتصاد السياسي: المصفق، وهو سوق يعقد فيها صفقات القطن والأوراق المالية، الجمع: براص، وبرص (انظر المعجم الوسيط) .

<<  <  ج: ص:  >  >>