للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هنا وجدنا في البيوع أن ما فيه قمار فهو حرام أو ما هو شبيه بالقمار، فأكثر العقود مرد فسادها إلى أمرين أساسيين: الربا والميسر، وما في معنى الربا ومعنى الميسر.

لهذا وجدنا بيوعا ينهي عنها الإسلام كبيع الثمار قبل بدو صلاحها، لأنه لا يدري أتصلح أم لا تصلح؟ وكبيع الجمل الشارد، والعبد الآبق لأن هنا من باع إنما يبيع بثمن بخس، إذا كان هذا يساوي ألفا يمكن أن يبيعه بمائة، فإذا اشترى المشتري بمائة ثم بحث فوجده قال البائع له: قمرتني لأنك أخذت ما قيمته ألف بمائة، وإذا بحث المشتري ولم يجد وضاع عليه المائة أيضا قال للبائع: قمرتني.

الآن مثلا لو فرضنا أن سيارة ضائعة ومالكها يقول أنا أبيعها قيمتها خمسون ألفا وأبيعها بعشر آلاف. واشتراها شخص بعشرة آلاف بالتراضي بين الطرفين، المشتري راض والبائع راض، فإذا أخذ المشتري يبحث عن السيارة فوجدها في مكان قريب فهل التراضي الذي كان موجودا أهو فعلا لا يزال موجودا؟ إذا كان المشتري يبحث ولا يجد السيارة وخسر العشرة آلاف فهل يرضى؟ ولذلك مثل هذه البيوع حرمها الإسلام تماما.

والأصل في البيوع أن الإنسان يبيع الشيء أو يشتري لأنه في حاجة إلى المال أو السلعة أو في غنى عن السلعة، ولذلك يتم التقابض، وهناك بيوع لا بد فيها من هذا التقابض وهي تبادل الأجناس الربوية الستة وما يلحق بها، فاستبدال طعام بطعام، أو نقود بنقود، لا بد فيه من التقابض في المجلس. ولكن يمكن أن يكون هناك البيع الآجل، وهو بيع السلعة والثمن المؤجل، ويمكن أن يكون ما يسمى في الفقه الإسلامي بيع السلع، ندفع الثمن الآن والسلعة نتسلمها في وقت لاحق: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) . وعند وضع الإسلام هذه القاعدة وضعها للتيسير على الناس، ولذلك إذا كان في البيع الآجل زيادة في الثمن فيها غبن فاحش وظلم بين كان البيع حراما.

في السلم المشتري يدفع الثمن ويستغني عنه ويستفيد البائع من هذا الثمن، وفي نظير ذلك قد تكون السلعة أرخص، ولكن لا يتخذ من هذا وسيلة للتجارة قبل أن يتسلم السلعة: لذا أجمع الفقهاء على أن من اشترى سلما لا يجوز له أن يبيع السلعة قبل قبضها، وفي الحوالة يقولون بأنه لا يجوز الحوالة إلا بدين مستقر، ويضربون مثلا على ذلك دين السلم، فيقولون لا يجوز الحوالة به لأنه دين غير مستقر، ما معنى دين غير مستقر؟ أنه إذا جاء الوقت الذي استحق فيه المشتري السلعة، ولأي سبب من الأسباب لم توجد، وأخذ الثمن يأخذ الثمن الذي دفعه ويفسخ العقد، والثمن دفعه بقي شهورا نرى هنا أنه لا يأخذ أكثر من الثمن.

وبعض الذين قرءوا لشيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه شيئا عن دين السلم بعضهم قرأ جزءا ولم يقرأ باقي الأجزاء، وقرأ شيئا متعلقا بموضوع معين ولم يفهم المقصود، ولم يجمع الموضوعات الأخرى، لأن شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى نجد الموضوع الواحد قد يكون في أكثر من جزء، ولذلك هذا يستدعي التثبت، وبعض المعاصرين قرءوا لشيخ الإسلام بأنه يجوز للمشتري الاعتياض عن دين السلم بأن يأخذ مكانه شيئا آخر، وأن هذه مسألة خلافية ولكنه أيد هذا الاعتياض: فقالوا إذن هنا يجوز بيع دين السلم، واقترحوا فعلا في عصرنا أن نستفيد من هذا، فنصدر صكوكا بألف وبعد شهر بألف وعشرة، وبعد شهرين بألف وعشرين وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>