للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الذين قرءوا لابن تيمية هذا القول لم يقرءوا له ما كتبه في مكان آخر من أن الأئمة الأربعة أجمعوا على أنه لا يجوز بيع دين السلم، ولم يفرقوا بين كلمتي بيع واعتياض: فالبيع للربح أما الاعتياض فمعناه أن يأخذوا بمثل السلعة أو بأقل، فلا يجوز الربح.

هذه قواعد عامة لاحظها فقهاء سابقون، بعد هذا نأتي إلى عصرنا، نظم الاقتصاد في العالم المعاصر بعيدا عن الإسلام، ونشأت المعاملات بعيدة عن الإسلام، ولذلك رأينا في المحاضرات السابقة كيف أن البنوك نشأت نشأة يهودية ربوية، فدخلت بلاد الإسلام كما هي يهودية ربوية، ولا تزال إلا ما نسمعه الآن عن المصارف الإسلامية.

ولننظر إلى البرصة: وهي تختلف عن الأسواق في بعض الأشياء، فصفقاتها مثلا عمليات كبيرة في أشياء مثلية متجانسة ... إلخ لا نريد أن نقول كثيرا في هذا، وإنما نريد أن نقف عند الصفقات التي تعقد في البرصة لنرى جانب الحل والحرمة. إذن البرصة هذه ما دامت نشأت في غير ظل الإسلام لا نتوقع أن تكون إسلامية. لا نتوقع هذا، قد يكون فيها شيء يتفق مع الإسلام، ولكن لا نتوقع أن تكون إسلامية خالصة، بل إننا عندما ننظر في أعمال البرصة فإننا سنجد أن أكثر أعمالها بعيدة عن الإسلام.

فعندنا مثلا بورصة الأوراق المالية: ماذا يباع فيها؟ السندات والأسهم، وبورصة سلع حاضرة، وآجلة، وبرصة النقود يباع فيها النقود. ننظر إلى ما يتم في تلك البرص.

السندات التي تباع، ما حقيقة هذه السندات؟ السندات سواء أكانت حكومية أم تصدرها هيئة أم شركة عبارة عن قروض طويلة الأجل أو قصيرة الأجل، وهذه القروض الهيئة أو الشركة أو الحكومة التي أصدرتها ضامنة لها، فتدفع فائدة سنوية محددة، سند مثلا بمائة وله فائدة سنوية عشرة، فلو فرضنا مثلا أن شركة من الشركات هي التي أصدرت السندات فإنها في نهاية العام قبل توزيع الأرباح على المساهمين تخرج الزيادة الربوية للمقرضين، وما يتبقى يوزع على المساهمين، إذا لم تربح الشركة أخذ من أصولها، إذا أفلست الشركة دخل أصحاب السندات مع الدائنين، والمساهمون لا يأخذون شيئا إلا بعد الديون.

إذن لا خلاف حول أن السندات قرض بزيادة في مقابل الزمن، وهذا هو ربا الديون الذي حرمه الإسلام. كأن البرصة إذن عندما تبيع سندات إنما تبيع قروضا ربوية. أمر عجيب أن القرض نفسه يباع. وأيضا قد يباع ربويا في الحال وقد يباع بالأجل كما سنرى في طريقة البيع، إذن هنا ما دام السند له فائدة محددة مقابل الزمن بالقيمة الاسمية فهذه الزيادة الربوية تجعل السند قرضا ربويا، وما دام قرضا ربويا فلا يحل بيعه ولا شراؤه ولا تملكه ولا إصداره ولا حيازته. كل من تعامل في سندات فقد أذن بحرب من الله ورسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>