للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة تحديد النسل

إعداد

الدكتور محمد القري بن عيد

باحث بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

جامعة الملك عبد العزيز

جدة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

تعد قضية السكان واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الدول النامية بما فيها أكثر بلدان المسلمين، والثابت ضمن المعرفة الاقتصادية المتاحة أن المجتمع النامي يواجه خيارا صعبا بين تحسين مستوى معيشة أفراده وبين إطلاق العنان للتزايد في عدد سكانه؛ لأن أحدهما لابد أن يأتي على حساب الآخر.

ولذلك تضطر البلدان التي يحقق سكانها معدلات نمو عالية ويعجز اقتصادها عن تحقيق متوسطات نمو كافية لتحسين مستوى معيشة الجميع إلى محاولة الحد من التزايد السكاني.

ولكن ذلك يواجه من جهة أخرى برفض شعبي سببه الاعتقاد الجازم عند أفراد المجتمع الإسلامي أن سياسة تحديد النسل غير جائزة في الشريعة الإسلامية.

إن مجتمعات الإسلام اليوم تختلف عنها بالأمس، فالمصالح صارت متشابكة والحياة معقدة، وكل قرار فردي له آثار اجتماعية مباشرة وغير مباشرة، والحكومة وهي الجهاز الضخم الذي تمس قراراته وسياساته حياة كل الأفراد في يومهم وفي غدهم، أصبحت واقعا يحتاج من جميع الأفراد إلى التنازل عن جزء من حرياتهم لكي يعاد تسخيرها لمصلحة المجموع لتحقيق ما يسمى في القاموس السياسي (المصلحة العامة) .

المشكلة التي تواجهها مجتمعات الإسلام اليوم هي إعادة فهم الأحكام الفقهية لكي تأخذ باعتبارها هذا الواقع الجديد، وكل ما تحتويه كتب الفقه حول تحديد النسل إنما يتعلق بالفرد والأسرة، أما السياسة العامة التي تستهدف السيطرة على زيادة عدد السكان فهي أمر مستجد ليس له أصل يقاس عليه، فمرده والحال هذه الأصول العامة للشريعة.

وقرار الفرد والأسرة بتحديد النسل أمر له طبيعة مختلفة عن السياسة العامة، فالأول يتخذ الوسائل البيولوجية طريقا إلى منع النسل، أما الثاني فقد يتبنى أساليب كثيرة منها سياسية واقتصادية وإعلامية بالإضافة إلى الطرق المباشرة لمنع التناسل والأهداف التي يسعى الفرد للوصول إليها من تحديد نسله أهداف شخصية مباشرة.

أما الأهداف العامة فقد تتعلق بأمور بالغة الأهمية والخطورة تمس حياة المجتمع بمؤسساته ومعتقداته وأجياله الحالية والمستقبلية.

لذلك صار لزاما علينا اليوم أن ننظر إلى هذه المشكلة من أبعادها المستجدة.

ونسأل الله العلي القدير أن يهدينا إلى الصواب ...

<<  <  ج: ص:  >  >>