للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكام التصرف في الديون

دراسة فقهية مقارنة

إعداد الدكتور

علي محيي الدين القره داغي

أستاذ الفقه والأصول بجامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

وبعد؛

فإن من أسباب خلود الشرعية الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان أن أودع فيها منزلها الحكيم الخبير كل ما تحتاج إليه البشرية من حلول لمشاكلهم الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقال الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤] .

لذلك لم تحتج هذه الشريعة طوال أكثر من أربعة عشر قرنًا إلى أن تنقل قاعدة قانونية، أو مبدءًا قانونيًّا من غيرها، بل استطاع الفقهاء المسلمون في كل عصر أن يستنبطوا من الشريعة نفسها الحلول الناجحة لكل مشكلة جدت على الرغم من اختلاف الحضارات وتعدد الشعوب والأقوام.

ولذلك نجد أمامنا تراثًا ضخمًا من فقه النوازل لا يوجد أبدًا لأية أمة أخرى، وهو تراث غني مليء بالتجارب والحلول الناجحة، صالح للاستفادة منه لجيلنا الحاضر، وللأجيال اللاحقة من خلال التنقية والاجتهاد الانتقائي للوصول إلى ما هو الراجح الذي يدعمه الدليل من الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة الغراء، ثم الاعتماد على الاجتهاد الإنشائي فيما لا يوجد فيه قول من أقوال فقهائنا الكرام رضي الله عنهم.

ولذلك لا نجد قضية من قضايا عصرنا إلا ونجد لها حكم الله تعالى إما نصًّا أو دلالة، أو استنباطًا من المبادئ الكلية والقواعد العامة لهذه الشريعة.

ومن هذا المنطلق كان بحثنا حول التصرف في الديون بالبيع، ونحوه حيث وجدنا أن النصوص الشرعية قد تناولت أحكامها، وأن فقهاءنا قد فصلوا القول فيها، وأن ما استجد منها من أمور يمكن معرفة حكمه بوضوح من خلال المنهج السابق.

ومن هنا كان بحثنا حول التعريف بالدين لغة واصطلاحًا؛ وما ذكره الفقهاء حول الدين والعين بإيجاز، وما يقابلهما في القانون، ثم تطرقنا إلى تقسيمات الدين، وخطورة الدين وآثاره السلبية وأسبابه؛ ثم ركزنا على أحكام التصرف في الديون، سائلاً الله تعالى أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم، وأن يعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل، وأن أكون قد وفقت فيما أصبو إليه؛ إنه مولاي، فنعم المولى ونعم النصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>