للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثائق مقدمة المجمع

اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام

وبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكام

فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس عربهم وعجمهم بدين كامل وشرع شامل صالح لكل زمان ومكان قد نظم أمور الناس أحسن نظام في عباداتهم وأعيادهم ومعاملاتهم وسائر أمور الحلال والحرام، وساوى في التكليف بهذا الدين بين سائر الناس الخاص منهم والعام، فلم يجعل عبادة أحد منهم مقيدة ولا مرتبطة بأمر الآخر ولا إرادته.

ومن حكمته وشمول رحمته، أن جعل العبادات في الإسلام متعلقة بالظهور والمشاهدة والأمر الجلي الواضح الذي لا خفاء فيه، فوقت صلاة الفجر يعرف بطلوع الفجر وانتشاره، ووقت الظهر يعرف بزوال الشمس، ووقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثه بعد فيء الزوال، ووقت المغرب بغروب الشمس، ووقت العشاء بذهاب الشفق الأحمر.

ويعرف وقت صيام رمضان برؤية الهلال باديا للناظرين، فإن لم ير مع الغيم فبإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما وكذلك شهر الحج.

يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، وسبب هذا السؤال على ما رواه أبو نعيم، أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم، قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حالة واحدة فأنزل الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، فنقلهم سبحانه عن السؤال عن الذات إلى الإخبار بالصفات، كأن الله قال: إنه لا فائدة ولا مصلحة لكم في البحث عن جرم الهلال، وإنما عليكم أن تنظروا إلى الحكم والمصالح المترتبة على الهلال، حيث جعله الله ميقاتا لصيام الناس وحجهم وعدة نسائهم وإيلائهم وحلول ديونهم وبه تعرف أشهر (١) الحج والأشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها، سواء كان التحريم باقيا أو منسوخا.


(١) هذا الحديث هو من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ورواه ابن عساكر، فذكره ورواية الكلبي عن أبي صالح ضعيفة غير انه قد اشتهر هذا السبب لنزول الآية الكريمة إذ السؤال عن الأهلة واقع كما جاء مقرونا بالجواب في نص الكتاب وكون هذا الحديث ضعيفا إنما ضعفه من قبل رجاله وليس كل ما لا يصح سنده يعتبر باطلا في نفس الأمر، والواقع ولا كل ما صح سنده يكون واقعا بالفعل

<<  <  ج: ص:  >  >>