الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
لقد ابتلى هذا العصر بحكم تطور وسائل الحياة بمختلف ألوانها وأشكالها وأحوالها بمشاكل في العبادات والمعاملات لم يكن لأهل هذا العصر من أسلافهم البررة الفقهاء نصوص فيها وإن كانوا – رحمهم الله – أوغلوا في تصوير مسائل ليس لها من واقعهم نصيب وإنما تعتبر في زمنهم من مدارك الخيال، كقولهم: ولو أن حاجًّا طار في سماء عرفة كان له بذلك حكم الوقوف بها فجاء الطيران في عصرنا فنقل ذلك الخيال إلى حقيقة، وكقول بعضهم: ولو أن إنسانًا باع كاغدة بألف دينار. ولم يكن هناك واقع ملموس في وجود صفقات بيع من هذا النوع، فجاء تطور الأثمان بإمكان وجود قطع من الكاغد تبلغ قيمة الواحدة منها أكثر مما تبلغه قطعة نقد ذهبية.
وهكذا جاء عصرنا بعجائب الزمان وغرائبه، ولكننا أمام هذا السيل العارم من المشاكل الفقهية في العبادات والمعاملات والجنايات والتحقيقات الجنائية والقضائية لا نعدم من سلفنا الصالح من أئمتنا وفقهائنا قواعد عامة تعتبر مناطًا لتعليق هذا المشاكل الفقهية عليها ولتفريعها عنها. ومن تلك القواعد الفقهية الأصل في المعاملات الإِباحة والأصل في العبادات الحظر. المشقة تجلب التيسير. وإذ ضاق الأمر اتسع. العرف والعادة محكمان.