والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يخرج بحصيلة نافعة من الفوائد، فقد مهد الله سبحانه وتعالى أن لهذه الفريضة تفضلًا منه وتطييبًا للنفوس وترغيبًا لها، بأن الصوم قد فرض - على جميع الأمم من لدن آدم إلى خاتم النبيين، وقرن ذلك بذكر الحكمة من إيجابه، فقال:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وتقوى القلوب مطلب عزيز، فإنها رأس الحكمة ومشكاة الحياة الفاضلة وينبوع الإشراقات الإلهية، ومطمئن النفوس البشرية، من وصل إليها فقد وصل إلى أصل كل خير، وسبب كل نعمة مادية وأدبية، فإذا كان الصوم من العوامل التي تؤدي إلى هذه الفضيلة السامية وهي التقوى وجب أن يعنى المؤمنون بشأنه، وأن يهتموا بأمره، وأن يقوموا بحقه، ويؤدوه على وجهه. أمَّا أن الصوم كان مفروضًا على جميع الأمم، فقد أظهرته البحوث الاستقرائية للأديان في هذه العصور المتأخرة، وقد كان الناس عند نزول القرآن لا يعرفون من تاريخ العالم إلا ما كان بينهم وبينه اتصال، وكانت أكثر أقطار الأرض مجهولة لديهم، فتصريح القرآن بأن الصيام كان مفروضًا على الأمم السابقة كافة فيه إعجاز علمي ظاهر ليس يخفى على أحد. فالمصريون القدماء والصينيون والهنود يعتبرون من أقدم الأمم وجودًا، كانوا يصومون في جميع أعيادهم، وكان الصينيون يقومون بالصيام تعبدًا ويوجبونه على أنفسهم تحفظًا من شرور الفتن، وقد علم أن البراهمة كانوا ولا يزالون من أشد الأمم مراعاة للصيام.
أما اليونانيون القدماء والرومانيون فقد كانوا كغيرهم يعتدون بأمر الصيام ويأتونه دفعًا للنكبات الاجتماعية.