للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحديد النسل وتنظيمه

إعداد

الدكتور مصطفى كمال التارزي

أستاذ بالجامعة الزيتونية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن مسألة تنظيم النسل أو تحديده قضية إنسانية شغلت الناس وخصوصا المفكرين قديما وحديثا، وكانت موضع خلاف بينهم شأنها شأن كل قضية يتغير الحكم فيها بما يكتنفها من اعتبارات وما يرجح في نظر الباحث من مصلحة أو مفسدة، قد يوجبها وضع ما، أو اعتبار معين.

وتنظيم النسل أو ضبط النسل أو تحديد النسل أو التحكم في النسل أو تنظيم الولادية عبارات حديثة، حلت محل كلمة العزل المعروفة عند العرب وعند الفقهاء خاصة في القديم، وهي كلها تتعلق بمعنى واحد وتؤول إلى نتيجة واحدة هي تحديد النسل، وإنما استبدلوا أخيرا كلمة التحديد بالتنظيم ليخففوا من وقع معنى التحديد في نفوس الذين رفضوا التحكم في عملية الإنجاب.

وسواء قلنا التحديد أو التنظيم، فالسؤال المطروح هو: هل يجوز منع الحمل في حالات خاصة كالمرض؟ وهل يجوز منعه في حالات عامة كما إذا عجزت موارد الدولة عن ضمان ضروريات الشعب أمام تزايد عدد السكان؟

إن الشريعة الإسلامية التي قامت على رفع الحرج والتيسير وجلب المصالح ودرء المفاسد، هي أجدر الشرائع تفهما لهذه المشاكل الاجتماعية، وإيجاد الحلول التي تتحقق بها المصلحة وتبعد عن المجتمع ما يوقعه في الحرج والمفسدة.

ويستطيع الباحث أن يجد في بطون الكتب الفقهية القديمة منها والحديثة مادة غزيرة واسعة حول هذه المسألة، سواء فيما يتعلق بالحالات الخاصة أو الحالات العامة.

لقد دعا الإسلام إلى النكاح وحث عليه واعتبره طريقا لتحصيل العفة مع تحقيق النسل وبقاء النوع البشري.

والمتأمل في كتاب الله عز وجل يدرك من سياق الآيات التي يقترن فيها ذكر الزواج بالنسل صراحة أو كناية أن النسل هدف من أهداف الحياة الزوجية، ومقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية حرصت على المحافظة عليه.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (١) .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (٢) .


(١) سورة الفرقان الآية ٥٤
(٢) سورة النساء الآية ١

<<  <  ج: ص:  >  >>