أولًا: لا يوجد في الكتاب الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة نص يتضمن حكما قطعيا في موضوع السكان، ولذلك لا يمكن لنا أن نقول مطلقا: إن على الدولة الإسلامية أن تعمل على زيادة عدد سكانها، أو أنه لا يجوز لها أن تعمل على الحد من التزايد بالطرق الشرعية المباحة، ولقد ذكر الفقهاء بأن الأمور التي لا يوجد فيها نص من كتاب أو سنة ولا تسعف مصادر التشريع الأخرى في الوصول إلى ذلك الحكم فإن مرجعها إلى أصل الشريعة وهو تحقيق المصلحة.
ثانيًا: أن الأمر، والحال هذه، راجع إلى المصلحة، فإذا كان للمجتمع الإسلامي مصلحة راجحة في زيادة السكان أضحى على ولي الأمر أن يعمل على تحقيق ذلك، وإذا كان لذلك المجتمع مصلحة راجحة في الحد من الزيادة، صار لزاما عليه أن يتبع من السياسات المباحة شرعا ما يؤدي الهدف المقصود.
قال ابن تيمية رحمه الله:
(إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء هل هو على الإباحة أو التحريم، فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته فإن كان مشتملا على مفسدة راجحة ظاهرة فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان مفضيا إلى ما يبغضه الله ورسوله)(١) .
ولذلك فإن السياسة السكانية المناسبة للدولة الإسلامية هي تلك التي تستمد أصولها من نظرية المصلحة العامة في الفقه الإسلامى.
ثالثًا: إن التزايد السكاني في أي قطر معتمد على متغيرات كثيرة معقدة ومتشابكة، وفى كثير من الأحيان تؤدي السياسات الحكومية الخاصة بتوزيع الدخل وتقديم الخدمات العامة إلى إحداث تسارع في معدل الزيادة السكانية بدون أن تكون تلك الزيادة هدفا مقصودا لهاتيك السياسات، وبما أن من الثابت (ضمن المعرفة الاقتصادية) ارتباط معدل الزيادة في عدد السكان بمتغيرات إقتصادية قابلة للتأثر بالسياسات المذكورة، صار يمكن للحكومة الإسلامية أن تتبنى سياسة تستهدف الحد من تزايد السكان بدون أن تلجأ (بالضرورة) إلى تحديد النسل، ومن المهم إذا الإتفاق على أنه لا يوجد في أصول الشريعة ما يلزم الحكومة بالضرورة بزيادة عدد السكان، ومن ثم يمكن لها أن تجعل آثار السياسات المختلفة على معدل النمو السكاني أحد الاعتبارات المهمة التي يعول عليها في اختيار السياسة المناسبة.
محمد القري بن عيد
(١) ذكره حسين حامد حسان في كتاب " المصلحة "، ص ٤٧٢