٤ - وكلمة التكاثر الواردة في الحديث الشريف تحتاج إلى وقفة. فالتكاثر بمعنى التزايد يحصل بمجرد عدم قطع النسل، فالزوجان إذا أنجبا طفلا واحدا فقد تكاثرا، ولا يعني ضرورة إنجاب أكبر قدر ممكن من الأطفال، فالمقصود يتحقق بإنجاب ولد واحد.
ويعني التكاثر أيضا (التفاخر) ، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم علل دعوته أمته إلى التوالد برغبته صلى الله عليه وسلم بأن يكاثر بها (أي يفاخر) الأمم يوم القيامة، ولكن لا يتصور أن يكون التفاخر بمجرد العدد؛ وذلك لأن الإسلام عقيدة ودين وليس دعوة عصبية، الانتساب إليها مرجعه اتصال الدم والنسب البيولوجي، ولذلك فإن مصدر الفخر للأمة الإسلامية هو المسلم القوي العامل المتعلم الذي اعتنى أبواه بتنشئته وتربيته ووفر له مجتمعه التعليم والثقافة العالية، وقوة الأمة الإسلامية - لو استعرضنا تاريخنا الإسلامي منذ البعثة - لم يكن مصدرها المعدل العالي للولادات، ولكنه بلا شك دخول أكثر أمم الأرض إلى الإسلام في عهد الفتوحات الإسلامية، والدعوة إلى دين الإسلام سوف تظل المصدر الأول للقوة الإسلامية، فالحديث الشريف رغم أنه قطعي في إسناده لكنه ظني الدلالة إلى المعنى المذكور وهو ضرورة زيادة عدد السكان.
٥ - وقد يبدو اليوم مستغربا أن يكون الحث على عدم قطع النسل بهذه الأهمية، ولكن الاستغراب سرعان ما يتبدد عندما نعرف أمرين مهمين، الأول: أن قطع النسل كان أمرا معروفا في المجتمعات القديمة حيث كانت تنتشر بعض النحل والملل والمذاهب التي تدعو إلى التبتل وعدم الزواج بل وقطع الشهوة بالاختصاء للرجال، ولذلك جاء دين الإسلام ناهيا عن هذه الأمور، والثاني: أن المجتمع الإسلامي في تلك الفترة كان يمر بالمرحلة الأولى من مراحل التحول الديموغرافي حيث يحقق معدلا عاليا من الوفيات ومن المواليد. وقد قرر علماء السكان أن التوازن كان دقيقا بين المعدلين بحيث أن زيادة معدل الوفيات على المواليد يؤدي إلى اندثار المجتمع برمته. ولهذا كان على مجتمع الإسلام أن يتأكد من عدم حدوث ذلك بالتوالد، ولا ندعي بأن ذلك كان سبب حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التكاثر، لكننا نرجح أن مجتمع الإسلام في عصر النبوة يواجه مشكلة محددة هي ضرورة تحقيق التوازن بين الوفيات والمواليد وعدم السماح للأولى بتخطي الثانية.