للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى رأينا - والله أعلم - أن الدليل المتضمن في هذا الحديث يتعلق بالنهي عن قطع النسل وليس فيه دعوة إلى العمل على زيادة عدد السكان لمجرد التزايد، والقرائن التالية تدل - إن شاء الله - على صحة ما نرمي إليه:

١ - يروى الحديث كرد من الرسول صلى الله عليه وسلم على من سأله عن رغبته في زواج الجميلة التي لا تلد، وهذا مهم لفهمنا للمعنى المتضمن في هذا الحديث، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهاه عن قطع نسله بالزواج من العقيم، وهذا هو المعنى الذي فهمه أكثر رواة الحديث ولذلك نجد أن النسائي رحمه الله قد أدرجه في باب ((كراهية تزويج العقيم)) ، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب ((النهي في تزويج من لم تلد من النساء)) ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده في باب ((صفة المرأة التي يستحب خطبتها)) ، فالواضح أن المعنى في الحديث لا ينصرف للدعوة إلى تكثير السكان، وإنما إلى النهي عن قطع النسل.

٢ - والراجح أن هذا كان فهم الصحابة رضوان الله عليهم للحديث. إذ لو أنهم فهموا منه الدعوة إلى تكثير السكان لمجرد العدد وأن على ولي الأمر مسئولية فعل ذلك، لكان الخلفاء منهم رضي الله عنهم قد اتخذوا خطوات عملية بهذا الصدد مثل الحث على زيادة الأولاد أو دفع المكافآت لهذا العمل أو الدعوة إلى تعدد الزوجات ... إلخ. ولكننا لا نعرف في السياسات التي اتبعها الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم في عهود التابعين ما يدل على أن على ولي الأمر أن يعمل على زيادة عدد السكان بالتوالد.

٣ - إن كلمة (الولود) معناها الوالدة، كما قال الأعرابى للجاحظ في القصة المشهورة (كل أذون ولود وكل صموخ بيوض) فجعل الولود أي التي لا تبيض وإنما تحمل وتلد (١) . والولود تعني أيضا كثيرة الولد.

والذين يدعون إلى ضرورة زيادة عدد السكان لمجرد التكاثر يصرفون معنى الولود في الحديث إلى كثيرة الولد، والأرجح أن المعنى إنما ينصرف إلى عكس العقيم، أي المرأة التي تحمل وتلد لأن سؤال الصحابي كان عن العقيم، ومن ثم لا يكون معنى الحديث الطلب إلى المسلم أن يستغل كل طاقاته التناسلية في إنجاب الأطفال بل مجرد النهي عن قطع النسل.


(١) انظر في ذلك معجم محيط المحيط لبطرس البستاني، بيروت، مكتبة لبنان ١٩٨٣ ص ٩٨٤ مادة ولد، ومعاجم اللغة جميعها تورد لكلمة ولد معنيين، الأول الوالدة والثاني كثيرة الولد

<<  <  ج: ص:  >  >>