للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ - لقد أمر الله عز وجل النساء بإرضاع أطفالهن حولين كاملين كما قال تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} الآية [لقمان: ١٤] . ومن المعروف أن احتمال الحمل بالنسبة للمرأة المرضعة هو أقل ما يكون أثناء الإرضاع ولذلك فإن استمرار إدرارها للحليب لطفلها هو أحد موانع الحمل الطبيعية، فالإرضاع لمدة سنتين ليس فيه مصلحة للطفل فقط بل وللأم كذلك؛ لأن فيه تنظيما لعملية الحمل بالمباعدة بين حمل وآخر (Spacing) . وهذا مؤشر لمعدل الخصوبة في المجتمع الإسلامى، وقد استعملت المجتمعات القديمة طريقة تمديد فترة الإرضاع كوسيلة لخفض معدل الحمل (١) ، فلو كان تكثير النسل يكتسب تلك الأولوية التي يدعيها البعض لقصرت فترة الإرضاع لزيادة معدل الخصوبة.

و كما رأينا سابقا فإن النصوص التي يمكن أن يقاس عليها حكمنا على موضوع الحد من تزايد السكان هي الأحاديث المتعلقة بالعزل، والأحاديث التي تحث على التكاثر.

أما الأولى فقد رأينا أن في روايتها بعض التناقض، وأن الراجح لدى جمهور العلماء، والله أعلم، هو الإباحة، ومن قال بذلك كثير، منهم عشرة من كبار الصحابة (هم علي وسعد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب وأبو سعيد الخدري وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين) (٢) ، وكثير من التابعين ومنهم العلماء في كل عصر. لذلك فلا يمكن القول أنها تصلح حجة أو دليلا على ضرورة تكثير عدد السكان.

ونريد الآن أن نناقش حديث، أو أحاديث التكاثر، يرى البعض أنه يمكن أن يستفاد من تلك الأحاديث حكم شرعي يقول بضرورة زيادة عدد السكان أو - على الأقل - إطلاق حجم السكان وتركه يتزايد بشكل غير مقيد، ونحن نرى غير ذلك. فالراجح - والله أعلم - أن تلك الأحاديث لا يستفاد منها حكم شرعي على سبيل القطع يقول بضرورة ما ألمحنا إليه أعلاه.

وللحديث رواية صحيحة مشهورة هي ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنى أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد أفأتزوجها قال: " لا "، ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ")) أخرجه النسائي في المجتبى والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى، وأخرجه ابن حبان من حديث أنس ((فإني مكاثر بكم يوم القيامة)) ، وأخرجه ابن ماجه بلفظ ((انكحوا فإني مكاثر بكم)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.


(١) تومسون، وارين س، وداند ت. لويس: مشكلات السكان، ترجمة راشد البرادي، القاهرة، مؤسسة فرانكلين ١٩٦٩ ص ٨١٨
(٢) ابن القيم، زاد المعاد ج ٤ ص ٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>