للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحث الدكتور حاتم القرنشاوي

عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة

مقدمة:

عقود المرابحة هي إحدى صيغ التوظيف التي تستأثر بجانب رئيسي من التمويل الذي تقدمه البنوك الإسلامية في الوقت الحالي حيث تتراوح نسبة التوظيف قصير الأجل في تلك البنوك –وعماده المرابحات - بين ٤٠ % - ٦٠ % من إجمالي التوظيفات في المتوسط.

ومضمون بيع المرابحة أن يقوم البنك بشراء سلعة ما بناء على طلب عميل ويعرضها للبيع بالثمن الذي اشتريت به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري فيدفع المشتري الثمن مضافًا إليها لربح الذي يتفقان عليه.

وفي التطبيق العملي فإن العميل يتقدم للبنك طالبًا شراء سلعة معينة تحدد مواصفاتها بدقة وقد يحدد مصدرها ويعد بشرائها بتكلفتها زائد ربح يتفق عليه. وقد يطلب البنك دفع جانب من الثمن (عربون) مقدمًا عند طلب الشراء ويقوم البنك بعد ذلك بالحصول على السلعة إن لم تكن متاحة لديه ويعرضها للعميل الذي يشتريها بحسب ما اتفق عليه أو قد يرفضها. وقد يتفق على أن يتم دفع كامل ثمن السلعة أو المتبقي منه مضافًا إليه ما اتفق عليه من ربح عند توقيع عقد البيع واستلام السلعة وقد تكون مرابحة لأجل- وهي الصورة الأعم في بعض البنوك- بحيث يتم دفع باقي القيمة على أقساط يتفق على مواعيد استحقاقها.

وقد ثارت حول عقد المرابحة –وما زالت- العديد من التساؤلات الفقهية والاقتصادية والتطبيقية. فمن الناحية الفقهية أثيرت التساؤلات حول شرعية العقد ذاته ومدى شرعية إلزام المشتري بوعده بالشراء ومن ثم جواز إلزامه بالتعويض في حالة تحمل البنك لأية خسائر قد تنتج عن عدم التزام المشتري بوعده وكذلك أثيرت التساؤلات حول جواز الربط بين بيع المرابحة والبيع لأجل وجواز قبض العربون ومدى حق المشتري فيه إن عدل عن وعده بالشراء. وكذلك فيما يجوز حسابه ضمن الثمن الذي يحتسب الربح على أساسه وهل يحتسب الربح كنسبة أو كقيمة. وهي كلها تساؤلات لها انعكاساتها التطبيقية فضلًا عن جانبها الفقهي.

ومن الناحية الاقتصادية فقد أثار توسع البنوك الإسلامية في عمليات المرابحة تساؤلات حول مدى جدية هذه البنوك في تدعيم جهود التنمية الاقتصادية في البلاد الإسلامية والتي تتطلب توجيه جانب متزايد من مواردها لعمليات الاستثمار الإنتاجي وهو طويل الأجل بالضرورة. وعن تأثير ذلك من الناحية الاجتماعية على ترسيخ قيمة الربح السريع وتجنب المخاطرة وهو ما قد يتعارض مع قيم إسلامية أخرى.

وبطبيعة الحال لن تعرض هذه الورقة - ولا تستطيع - لكل هذه التساؤلات التي ما زال بعضها موضع أخذ ورد والتي سيتم مناقشة جانب رئيسي منها في أوراق بحثية أخرى مقدمة لهذه الندوة وإنما ستحاول أن تفتح الباب لحوار مثمر – إن شاء الله- حول بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتطبيق عقد المرابحة والإطار المحاسبي لتلك العقود.

<<  <  ج: ص:  >  >>