١- شاع في أقوال الفقهاء، من مختلف المذاهب الإسلامية، أن العادة محكمة وأن استعمال الناس حجة يجب العمل بها، وأن الحقيقة تترك بدلالة العادة والعرف، وأن العرف في الشرع له اعتبار، وأن التعيين بالعرف كالتعيين بالنص، وأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، حتى صارت هذه العبارات وما يماثلها أساسًا لقواعد فقهية استقرت في الفقه الإسلامي وفي تشريعات العديد من الدول الإسلامية، وتأكد بمقتضاها ما للعرف من دور متميز في إنشاء الأحكام وتعديلها وتفسيرها.
٢- فلما نهضت حركة " التقنين " في البلاد العربية والإسلامية لزم بيان المصادر الرسمية التي ينبغي على القاضي أن يلجأ إليها ليستمد أحكامه منها. واحتل العرف مكان الصدارة، بعد النص، في بعض هذه التقنينات، ووضعه بعضها الآخر في المرتبة الثالثة من المصادر الرسمية، بحيث لا يحكم القاضي بمقتضاه إلا عند سكون النص القانوني عن تقرير حكم يفصل في النزاع، وعدم استطاعة القاضي استنباط هذا الحكم من مبادئ الشريعة الإسلامية. واعتبر هؤلاء وأولئك أنهم بذلك يتبعون النهج الإسلامي القويم.
٣- من أجل ذلك كانت أهمية هذا البحث لتحديد معنى العرف، وتعيين أركانه، والكشف عن أساس قوته الملزمة، وبيان الوظيفة التي يمكن أن يؤديها في مجال التشريع. وهذا يقتضي أن نتبع في دراسة العرف المنهج التالي: