الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فما له من هاد، ونصلي ونسلم على خير أنبيائه وصفوة رسله وأوليائه، سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث بالهدى ودين الحق بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد، فقد طال الجدل بين العلماء قديما وحديثا في شأن الشهور القمرية وتحديد أوائلها وأواخرها، واختلفت كلمتهم في ذلك اختلافًا كثيرًا وفي كل عام يتجدد النزاع وتحتدم المناقشة في هذا الشأن، لا سيما في أشهر رمضان وذي الحجة لارتباط الصيام والحج بهما، وكثيرًا ما تطلع الناس إلى علماء الشريعة، وراودهم الأمل في أن يطلعوا على الناس برأي يجمع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويوحد صفوفهم ويؤلف بين قلوبهم ويقضي على هذا التفرق والتنازع، وذلك لتوحيد مبدأ الشهور العربية في جميع البلاد الإسلامية، وبذلك يتوحد مظهر المسلمين جميعًا في أنحاء المعمورة في أداء عبادتهم، وفي مواسمهم وأعيادهم الدينية مطمئنة قلوبهم إلى أنهم أدوا الصوم والفطر والحج في وقته، لا يتطرق إلى نفوسهم شك ولا يساورها قلق، كما هو الشأن الآن بالنسبة للمختلفين من الصائمين والمفطرين، لا يثق أي منهم وثوقًا مطلقًا بأنه هو المحق وغيره المبطل، ولعل هذا هو ما أراده النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله ((صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وحجكم يوم تحجون)) .
ولا شك أن توحيد مبدأ الشهور العربية في البلاد الإسلامية يعد من أقوى العوامل على تمكين الروابط بين الشعوب الإسلامية في جميع أقطار الأرض، وجمعهم على كلمة واحدة وطريقة واحدة، والناس الآن أحوج ما يكونون إلى التآلف والتقارب واتحاد الكلمة، والطابع العام للدين الإسلامي هو التوحيد، والله رب العالمين واحد، والرسول الكريم للناس كافة واحد، والقرآن واحد، والقبلة التي يتوجه إليها المسلمون في صلواتهم واحدة، والأمة الإسلامية واحدة، قال تعالى {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} .