وقد تقدم فضيلة الشيخ عبد الحميد السائح عضو المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية عن شرق الأردن برغبة أن يبحث المجمع هذا الموضوع، وقد استجاب المجمع لهذه الرغبة وأحال على هذا البث ليقدم إلى المؤتمر الثالث، واستعنت بالله واطلعت على نصوص من كتب المذاهب الأربعة، وبعض علماء الشيعة الإمامية والزيدية وعلى رسائل كتبت في هذا الشأن منها رسالة تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان لابن عابدين، ومنها العلم المنشور في إثبات الشهور لابن السبكي قاضي قضاة دمشق٠، ومنها إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة للشيخ محمد بخيت المطيعي، ومنها رسالة الهلال للشيخ طنطاوي جوهري، ومنها رسالة الصوم للشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر سابقًا، ومنها قرارات اللجنة الشرعية الفلكية بشأن توحيد مبدأ الشهور العربية في البلاد الإسلامية لطائفة من أساتذة كلية الشريعة.
وقد تبين لي والحمد لله بعد الاطلاع على هذه المراجع والرجوع إلى أهل الذكر فيما ليس لنا به علم من علماء الفلك أن هذا المطلب ليس بعزيز المنال، وأنه أيسر مما كنت أظن ويظن كثير من الناس، لكثرة اختلاف العلماء طوال الأزمان الخالية، دون أن تتلاقى وجهات نظرهم ويتفقوا على رأي واحد يريح المسلمين من هذا التنازع ويجمعهم على كلمة سواء.
ولا تثريب على من اختلفوا قديمًا من العلماء، فلم يكن لديهم تلك الوسائل التي مَنَّ الله بها على عباده في هذا الزمان، والتي جعلت هذا المبدأ القويم مبدأ التوحيد يسير المنال.
وأول تلك الوسائل تقدم علم الفلك وبراعة علمائه فيما يعالجونه من شؤونه، وذلك بالحساب الدقيق القطعي المبني على قواعد هندسية مبرهنة، والذي يضبطون به أحوال القمر ومنازله ومواقفه، ويحددون به أوائل الأشهر القمرية ونهايتها، مما يستعان به على رؤية الهلال رؤية عينية هي غاية العلم وهي عين اليقين.