للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضاربات في العملة

والوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصادية

إعداد الدكتور

أحمد محيي الدين أحمد

مجموعة دلة البركة

بسم الله الرحمن الرحيم

التمهيد

قضايا أساسية:

إن المتابع لحركة الاقتصاد العالمي يشاهد نموًا مذهلاً في حجم التجارة الدولية، مما ترتب عليه توسع مقابل في مجال التبادل بين مختلف العملات الدولية، كذلك فإن التقنيات المالية الحديثة أوجدت معاملات إضافية في مجال تبادل العملات، وذلك بهدف تثبيت قيمة الإيرادات المتوقعة أو وضع سقف للخسارة التي قد تحدث.

كذلك فإن السياسات النقدية والاقتصادية الحكومية أولت اهتمامًا مقدرًا لأسعار صرف عملاتها تجاه مختلف العملات القابلة للتحويل، كما أولت عمليات الإصلاح الهيكلي لاقتصادياتها جهدًا مميزًا، باعتبار ذلك محددًا مهمًّا لسعر صرف عملاتها تجاه العملات الأخرى.

هذه الاحتياجات وتلك السياسات التي تعبر عن حاجة حقيقية لتبادل العملات، تبعتها وتغذت عليها حركة أخرى لا تستجيب لحالات حقيقية تتطلب تبادل العملات، ولكن هدفت إلى استغلال تلك الحاجة لمحاولة الاستفادة منها في تحقيق أرباح قد تتحقق وقد لا تتحقق في ما اصطلح على تسميته بالمضاربة في العملات.

بالطبع فإنه لا توجد معايير واضحة تميز بين مختلف الرغبات، كذلك فإن النظام الاقتصادي الغربي السائد والمتحكم، قد اعترف في آلياته بكل أنواع الممارسات ولم يجرم أيًّا منها، بل ابتكر من الأنظمة والأجهزة ومصادر المعلومات ما طور ووسع من نطاق التبادل والمتاجرة في العملات، وفي الوقت نفسه فإن ذاك النظام لم ينكر أو يتجاهل الآثار السلبية والضارة للتوسع في المتاجرة في العملات بغرض المضاربة.

إن هناك تساؤلات عدة لا بد من الإجابة عليها ونحن بصدد تأصيل إسلامي لقضية المتاجرة في العملات، تأصيلًا يتجاوز الإطار التقليدي ويستصحب الواقع بكل تعقيداته وتشعبات يأتي في مقدمتها التساؤلات التالية:

- ما هي نظرة التشريع الإسلامي لوظيفة النقود وكيف يمكن ترجمة تلك النظرة إلى موجهات وأحكام تضبط التعامل في واقعنا المعاصر؟

- هل أحكام الصرف المعروفة قابلة للتنزيل على معاملاتنا المالية الحديثة، وهل هي ممكنة التطبيق على معاملاتنا مع العالم الخارجي، وهل يمكن تضمينها في السياسات الاقتصادية والنقدية المتعلقة بسياسات سعر الصرف في دولنا الإسلامية؟

- هل ما يصلح ويمكن شرعًا إلزام الأفراد به يسري كذلك على المؤسسات والحكومات؟

- هل تتحمل المضاربات في العملات جل أو كل النتائج السلبية للأداء الاقتصادي في الدول النامية، أم أن لذلك الأداء السيئ أسبابًا أخرى كامنة في الهياكل الاقتصادية السائدة والسياسات المطبقة، وعلى وجه الخصوص أين هي الحقيقة في ما حدث لدول جنوب شرق آسيا؟

- إذا تمت المضاربة في العملات احتكامًا للقواعد الفقهية المعتمدة فهل نسمح بها لعدم مخالفتها تلك القواعد؟ أم أن الأمر وحتى في نطاق المباحات محكوم بجلب المصلحة ودفع المفسدة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>