لا شك أنَّ اختلاط المسلمين اليوم بغيرهم، وتطور الحريات العامة، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان بقطع النظر عن الجنس، أو الدين أو اللغة، أو الإقليم، إضافة إلى سهولة المواصلات وسرعتها وتنوع وسائل الإنتاج، وتصاعد حاجات الإنسان، كلها مؤثرات بالغة الأهمية في نمو ربح التاجر، وتنوع مصادره، فإذا ما تضافرت كلها وترك لها الباب مفتوحًا، فإن تفاحش الربح والبحث عنه لا محالة سيؤدي إلى فوضى اجتماعية، وانتهاكات دينية تخل بسلامة المجتمع الإنساني بصفة عامة، كما ستهدر قيم المجتمع الإسلامي بصفة خاصة.
ويثبت ذلك ما يشاهد اليوم في النظام الرأسمالي الغربي، الذي أصبحت الشركات الكبرى هي التي تتحكم في مصيره مكرسة كل طاقات الدول لخدمة ربحها المتنامي بصرف النظر عن كل شيء يخدم الربح على أبشع صور الاستغلال، والاستنزاف.
وبموازاة ذلك تعيش مراكز البيروقراطية في المعسكر الاشتراكي جاعلة من طاقات الإنسان وسيلة لرفاهية مدراء المكاتب، والمؤسسات العسكرية على حساب حرية الفرد واختياره وتنمية جهوده، ليصبح عبد التوجيه الذي لا يرحم، ولا يسمن ولا يغني، ولعل ما يلاحظ اليوم من عجز النظامين عن حل أبسط المشاكل اليومية للإنسان يحتم علينا نحن المسلمين أن نرجع لنظريات الإسلام، بإبرازها للعالم كبديل قادر على تجنب كثير من مساوئ التجارب البشرية، التي أعطيت لها كل الفرصة الزمنية فعجزت عن حل أبسط مشاكل الفرد والجماعة، إذ في الوقت الذي يبحث خبراء العالم عن البدائل يجدر بنا نحن المسلمين أن نقدم لهم البديل جاهزًا، وقد أتت جل قواعده من الله لصالح عباده، ثم إن تلك التعاليم قد خضعت لمحك التجربة فأعطت أنها صالحة أيام ازدهار دولة الإسلام.
كما أن جُلَّ النظريات الصالحة في سجل الفكر البشري لعالم اليوم، إذا لم تكن مقتبسة في جلها من تعاليم الإسلام، فإنها أتت شديدة التأثر به، ونعني كل القوانين، سواء كانت في إطار نظريات اقتصادية أو قواعد مدنية، مما يحتم علينا نحن أصحاب تلك الشريعة الإسلامية الخالدة أن نعيد تجاربنا في الحياة استنادًا إليها وتطبيقًا لنصوصها، كما يجب علينا أن نتعرف على نصوصها، ونقدم أسسها لأبناء اليوم بأسلوب يحافظ على تعاليمها، وينسجم مع أساليبهم الدراسية.