للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في أقرب المسالك وشرحه: ولا رد بغبن ولو خالف العادة في القلة أو الكثرة، كأن يشتري ما يساوي درهمًا بعشرة أو عكسه، إلا أن يستسلم أحد المتابيعين لصاحبه بأن يخبره بجهله، كأن يقول المشتري: أنا لا أعلم قيمة هذه السلعة فبعني كما تبيع الناس، فقال البائع: هي في العرف بعشرة، فإذا هي بأقل. أو يقول البائع: أنا لا أعلم قيمتها فاشترِ مني كما تشتري من الناس، فقال: هي في عرفهم بعشرة، فإذا هي بأكثر، فللمغبون الرد على المعتمد (بل باتفاق، ولم يخالف فيه أحد) . وإنما الخلاف في الغبن من غير استسلام إذا كان المغبون جاهلًا، فإن كان عارفًا فلا رجوع له اتفاقًا، فإن استسلم الجاهل فالرد متفق عليه" (١) .

والذي يتضح من هذا كله أن الرأي الراجح هو ترك البضائع بغير تحديد سعر أو تحديد أرباح للتجار على أن تقوم الدولة بواجبها في توفير البضائع وأنواعها محاربة للغلاء أو الاحتكار أو السوق السوداء كما عليها إقامة الدين بين الناس وإحياء ضمائرهم بالتقوى والبعد عن إجحاف الناس وظلمهم أو استغلال حاجتهم للشراء وجلهم بالأسعار. فعلى الدولة ترك تحديد الأسعار أو تحديد أرباح التجار مع نشر الوعي الديني وحث الناس على تقوى الله في هذا المجال ومخافته في معاملة عباده ولا سيما قول الرسول صلى الله عليه وسلم.

((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)) (٢) .

إلا أنني أرى أن الأمر إذا استشرى جدًا وصارت طبقة من الناس لا تخشى الله ولا ترحم الناس كما يحصل فيما يسمونه اليوم بالسوق السوداء، فعلى الدولة واجب محاربة هذه الطبقة ومحاربة ما يفعلونه، بخلق التنافس الصالح في التجارة وتوفير البضائع وأنواعها وتوعية الناس بكل الوسائل بالأسعار المعقولة للبضائع جملة وتجزئة. ولا شك أن هذا من أهم مهام الدولة الإسلامية والمحتسبين في محاربة أي عامل يؤدي إلى الغلاء في الأسواق وسن اللوائح اللازمة لتحقيق ذلك وعلى الناس طاعتها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (٣) .

وللحكومة الحق في تعزير من يخالف تلك اللوائح.

الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد.


(١) جاء هذا في فتوى للشيخ يوسف الرجوي المالكي من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف – انظر مجلة الأزهر، مجلد ٥، ص٢٤٤. انظر أيضًا الفقه على المذاهب الأربعة، كتاب البيع: بحث البيع بالغبن الفاحش.
(٢) أخرجه الترمذي: (١٢٠٩) ؛ والدارمي: ٢/٢٤٧؛ والحاكم: ٢/٦.
(٣) سورة النساء: الآية ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>