وروى الإمام مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب قال: لا حكرة في سوقنا لا يعمد رجال بأيديهم فضول من إذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف، فليبع كيف شاء، وليمسك كيف شاء الله (١) .
ويبدو أن تغير أحوال الناس وظهور عنصر الجشع وفقدان الأمانة والتقوى في معاملاتهم وكذلك اتساع الأوضاع التجارية دفع الفقهاء إلى البحث عن حكم البيع بالزيادة المتفاحشة على الثمن المعتاد. ويبدو أن هناك اتفاقًا ظاهرًا في أنه متى علم البائع والمشتري قيمة السلعة التي تباع بها في الأسواق، وحصل الغبن بزيادة في الثمن غير معتادة، أو نقص فيه كذلك، فالبيع صحيح لا حرمة فيه، ولو كان البيع فوق فائدة الربا بكثير، وما مثل هذا إلا كزارع وضع قليلًا من الحب في أرضه فأنبتت عشرة من الأرادب، فالطريق مشروع، والكسب حلال ورزق ساقه الله إلى التاجر والزارع.
أما إذا جهلت قيمة السلعة، فإن استسلم أحدهما لصاحبه بأن أخبره بجهله وائتمنه فيما يخبره به وما يحدده من الثمن، فقال البائع للمشتري: قيمتها في السوق عشرون، فإذا هي عشرة، أو قال المشتري للبائع: قيمتها في السوق عشرة، فإذا هي عشرون، فللمغبون الرد، وعلى صابحه المؤتمن الكذوب الحرمة. فإن لم يستسلم لصاحبه مع جهل القيمة، بل باع أو اشترى على المغالبة والمشاحة فحصل الغبن المتفاحش، فالبيع صحيح لا رد فيه ولا حرمة على المشهور.
وقال بعضهم: إن وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة، فسخ البيع أن قام المغبون برد السلعة في أثناء السنة من يوم البيع. وقد أفتى به ابن عرفة والماذري والبرزلي. ومشى عليه ابن عاصم في التحفة، لكن رده ابن رشد بقوله: إنه غير صحيح لحديث: ((لا يبع حاضر لباد)) ((ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) .