للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: " والجمهور على جواز الغبن في التجارة مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وإن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب. واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك، فقال قوم: عرف قدر ذلك أم لم يعرف فهو جائز إذا كان رشيدا حرًا بالغًا. وقالت فرقة: الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات، وأما المتفاحش الفادح فلا، وقال ابن وهب من أصحاب مالك رحمه الله: والأول أصح لقوله عليه السلام في حديث الأمة الزانية: "فليبعها ولو بضفير"، وقوله عليه السلام لعمر ((لا تبتعه – يعني الفرس – ولو أعطاكه بدرهم واحد)) . وقوله عليه السلام ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) . وقوله عليه السلام: ((لا يبع حاضر لباد)) . وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ولا غيره". (١) .

ثانيًا: ما روي في الحديث من رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر للناس، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: سعر لنا يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما يرفع الله ويخفض، إني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة)) . قال له آخر: سعر، قال: ((أدعو الله)) .

قال الإمام البغوي في الجزء الثامن من شرح السنة أن إسناد الحديث أعلاه صحيح، وأخرجه أبو داود في البيوع: باب في التسعير. وأخرجه ابن ماجه في التجارات: باب من كره أن يسعر بلفظ، قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال)) .

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب أيضًا عن أبي جحيفة وابن عباس وأبي سعيد الخدري عند الطبراني في معاجمه الثلاثة (٢) .

ويأتي هنا أيضًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور سابقًا ((لا يبع حاضر لباد)) , ((ودعوا الناس يرزق الله بعضهم بعضًا)) ، وقد بينا صحة إسناده سابقًا، والمنهي عنه هنا أن يأتى البدوي البلدة ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصًا، فيقول له الحضري: اتركه عندي لأغالي في بيعه. فهذا الصنيع محرم لما فيه من الاضرار بالغير. والبيع إذا جرى مع المغالاة متعقد. وسئل ابن عباس عن معنى الحديث فقال: لا يكون له سمسارًا. (عن ابن الأثير) (٣) .


(١) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله القرطبي: ٥/١٥٢، دار إحياء التراث العربي، لبنان، ١٩٦٥م. ص١٥٢، ١٥٣.
(٢) انظر شرح السنة للإمام البغوي: ٨/١٧٧، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، ١٩٨٣م.
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله القرطبي: ٥/١٥٣، مطبعة دار إحياء التراث العربي، لبنان، ١٩٦٥م.

<<  <  ج: ص:  >  >>