للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: بيع الدين

١- ١ تعريف الدين:

قال ابن منظور " كل ما ليس بحاضر دين (١) ، وعرفته مجلة الأحكام العدلية فقالت: " الدين ما يثبت في ذمة رجل " (٢) ، ويستعمل الفقهاء كلمة الدين بمعنيين: عام وهو مطلق الحق اللازم في الذمة، وخاص وهو عند جمهور الفقهاء: "كل ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته " (٣) في نظير معاوضة أو إتلاف أو قرض أو أرش جناية أو حق لله تعالى كالزكاة. ولا يثبت في الذمة إلا المثليات وهي الأموال التي تتماثل آحادها وتتساوى في القيمة كالمكيل والموزون والنقود ونحو ذلك. أما القيميات فلا تثبت في الذمة بل تثبت قيمتها كـ ثمن البيع وغرامة الإتلاف. وكل قرض دين، ولكن الدين ربما كان من قرض وربما كان من أمور أخرى كالبيع الآجل والسلم والمهر المؤخر وأرش الجناية وعوض الخلع. . . إلخ. والدين حال إذا كان يجب أداؤه عند طلب الدائن أو مؤجل إذا كان للوفاء به مدة مضروبة.

١ – ٢ بيع الدين:

يقصد ببيع الدين تصرف الدائن بالدين بتمليكه لغيره مقابل عوض. ويتفرع عن ذلك أن يباع الدين لمن هو عليه أو لسواه، في أجله أو قبل أجله. بمقدار مبلغه أو بأقل منه نقدًا أو بثمن مؤجل، ولكل أحكامه التي فصلها الفقهاء. وكل هذه الحالات مهم ولا يكتمل النظر من الناحية الفقهية في المسألة إلا باستقصائها جميعًا وتفصيل أحكامها. وهي مبسوطة في كتب الفقهاء وفي الدراسات الفقهية المعاصرة فلا حاجة بنا إلى الإسهاب فيها. بل سنقتصر على الصيغة التي انتشر العمل بها في يوم الناس هذا في المصارف وأسواق المال ومعاملات الناس خشية التطويل ولكنها الصيغة المقصودة عند الكلام عن بيع الدين وهي النازلة التي استشكل على المعاصرين أمرها، تلكم هي بيع الدين لغير من هو عليه قبل أجله بأقل من قيمته الاسمية (مبلغه) .

وبيع الدين ليس من مخترعات العصر الحديث بل هو قديم حتى بصوره التي تبدو لنا مبتكرة. فقد أورد بعض المؤرخين الاقتصاديين أن الوثائق البابلية والآشورية قد تضمنت ما يمكن القول إنه سندات دين لحامله تعود إلى نحو ١٨٠٠ سنة قبل الميلاد، وأن وثائق الدين كانت تباع وتشترى في الأسواق في نحو سنة ١٤٠٠ قبل الميلاد (٤) .

١ – ٣ أهمية الموضوع:

تعد مسألة الديون من أهم وأخطر القضايا الاقتصادية المعاصرة، ومع ذلك فإن الكتابات فيها من المنظور الإسلامي قليلة جدًا، رغم تأثيرها المباشر على حياة الناس في كل مكان، وسوف نورد أدناه بعض المعلومات المختصرة التي تبين أهمية وخطورة المسألة محل البحث.

إن العالم يغرق في الديون، على مستوى الأفراد، والشركات والحكومات وفيما بين الدول.

- فعلى مستوى الأفراد، تدل الإحصاءات في بعض البلدان أن الدين يستغرق نحو (٩٠ %) من الدخل الشهري للسواد الأعظم من الأفراد يسددون ديونهم الناتجة عن شراء المنزل بالأجل والسيارة والأثاث والقروض المصرفية. .. إلخ (٥) .


(١) لسان العرب لا بن منظور.
(٢) المجلة مادة رقم ١٥٨.
(٣) نزيه حماد، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء.
(٤) انظر في تفصيل ذلك: Moris Silver, Economic structure of the Ancient Neareast, London, Croom Helm, ١٩٨٥, P. ٦٠ وما بعدها.
(٥) منها الولايات المتحدة، كما نقلت ذلك جريدة (وول ستريت جورنال) .

<<  <  ج: ص:  >  >>