للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعلى مستوى الشركات، تمثل الديون المصدر الأهم للتمويل. ولذلك صارت أسواق المال العالمية أسواقًا للديون وليس لحقوق الملكية (الأسهم) وتفضل الشركات في كل أنحاء العالم إصدار سندات الدين وليس أسهم الاشتراك والملكية. ففي الولايات المتحدة حيث تتوفر الإحصاءات لا تمثل الأسهم أكثر من (٤.٥ %) من مجمل مصادر التمويل للشركات المساهمة من أسواق المال، بينما أن نحو (٩٣ %) منها كان بإصدار سندات الدين (هذا إضافة إلى القروض المصرفية) (١) .

- وعلى مستوى الحكومات، تصل الديون على الحكومة في بعض الدول إلى أكثر من (١٠٠ %) من الناتج المحلي الإجمالي للقطر، وتصل قروض حكومة الولايات المتحدة على سبيل المثال إلى نحو (٥٠ %) من مجموع مدخرات المواطنين السنوية، وهي تدفع في كل عام فوائد على قروضها بلغت سنة ١٩٩٢م (٢٩٣) بليون دولار. كما أن (٧٠ %) من إيرادات الضرائب في إيطاليا تخصص لدفع الفوائد على القروض الحكومية التي لا حيلة للحكومة في تسديد أصلها، ولا قدرة لها إلا على دفع الفوائد السنوية عليها (٢) ، وليست حكومات بلاد المسلمين مختلفة عن ذلك.

وكذلك حال الدول وبخاصة النامية منها، فقد بلغت ديون الأقطار النامية إلى الدول الصناعية سنة ١٩٩١م ترليون و٦٠٠ مليون دولار تدفع عليها فوائد تبلغ نحو ٦٠ ألف مليون دولار سنويًّا (٣) .

وقد نما حجم المداينات على مستوى العالم بمعدلات عالية في السنوات الأخيرة؛ إذ تدل الإحصاءات على أن الاقتراض للدولة من الأسواق الخارجية ارتفع من (٣٦.٤) مليون دولار سنويًّا في سنة ١٩٧٤ م إلى (١,٨) ترليون دولار في سنة ١٩٩٣م (٤) .

لا ريب أن ظاهرة الديون تثير مسائل كثيرة تحتاج إلى نظر ومن أهمها المعاملات التي تجري في الديون بعد ثبوتها في الذمم، ومن أهم ذلك بيع الدين.

إن بيع الدين بأنواعه وصوره المتعددة هو في يوم الناس هذا قوام عمل الأسواق المالية التي تتداول فيها الأموال بآلاف البلايين من الدولارات.

١-٤ أسباب نزوع الناس إلى المداينات في المعاملات المعاصرة:

الدين قديم، وقد تعامل الناس بالبيوع الآجلة والقروض في كل دورات التاريخ. إلا أن هذا الانتشار العظيم للمداينات هو ظاهرة معاصرة تعد من سمات العصر الحديث، وبخاصة في العقود الأخيرة من هذا القرن. والجهات التي تستدين هي الأفراد، والشركات، والحكومة ومؤسساتها وتنزع هذه الجهات جميعًا إلى المداينة لأسباب.

١-٤-١ على مستوى الفرد:

لا يكاد الإنسان يسلم من الدين في المجتمعات المتمدنة في يوم الناس هذا، وقد أضحى من المعتاد أن يخصص كل فرد جزءًا ثابتًا من دخله الشهري لسداد الديون، وقد دلت بعض الإحصاءات أن الفرد في بعض الدول يذهب جل دخله الشهري لدفع الأقساط الناتجة عن شرائه المنزل والسيارة والأثاث، وأقساط تعليم أبنائه ومدفوعات بطاقة الائتمان وفاتورة الهاتف والكهرباء ومصاريف التأمين الصحي. ... إلخ. لا ريب أن لهذه الظاهرة أسبابًا لعل أهمها:

أ- استقرار دخول السواد الأعظم من أفراد المجتمع بسبب ارتباطهم بوظائف دائمة (أو شبه دائمة) لها سلم رواتب معلن مما مكن هؤلاء من التخطيط لإنفاقاتهم في المستقبل بقدر كبير من الاطمئنان. فلم يعد إنفاق الفرد اليوم معتمدًا على دخله في ذلك اليوم، بل هو مبني على إمكاناته المستقبلية. فهو لا ينتظر عند شرائه للسيارة حتى يدخر كامل ثمنها مثلاً ثم يشتريها، بل هو يشتريها اليوم ليدفع ثمنها منجمًا على مدى سنوات قادمة. وكذلك يفعل في شرائه المنزل وفي انخراطه في برامج التعليم. .. إلخ.

ب- ومن جهة أخرى تشجع برامج التأمين بأنواعها، سواء كانت برامج تقاعدية أو تأمينًا ضد البطالة أو تأمينًا صحيًّا أو تأمينًا على الحياة (في البلاد الغربية) ، يشجع وجود مثل هذه البرامج المؤسسات المالية والشركات التجارية على تقديم القروض وأنواع الائتمان لأفراد المجتمع غير قلقة على احتمالات موت المدين أو إفلاسه لإمكانية استيفاء الدين من مستحقاته الأخرى. فإذا أضيف إلى ذلك تطور الإجراءات القانونية والإدارية ووسائل جمع المعلومات وتحصيل الديون بطريقة صارت فعالة في ردع المماطلين وتقليل حجم الديون المعدومة في العمليات الائتمانية. لهذا السبب وجدنا أن النسيئة صارت هي أساس جل البيوع عند الناس ولم يعد البيع النقدي شيئًا مذكورًا إلا في المواد الاستهلاكية وما شابهها.


(١) R.H.Rupert P. ١١٣
(٢) ففي سنة ١٩٩٢م وصلت الديون على حكومة بلجيكا (١٢٠ %) من الناتج المحلي الإجمالي، و (١٠٨ %) في إيطاليا – عن جريدة (وول ستريت جورنال) أعداد مختلفة سنة ١٩٩٣م؛ وكذلك كتاب ١٩٩٥ Bank ruptcy لمؤلفيه: Harry Figgie, Gerald Swanson من دار Little Bron في نيويرك، ١٩٩٢م.
(٣) جريدة (وول ستريت جورنال) ، ٣٠ /١٢ / ١٩٩٢ م.
(٤) مجلة أكونومست، ١٧ ديسمبر ١٩٩٤م، ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>