للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان القضاء لينمو بنفس النسبة التي تتكاثر بها المنازعات وتتعقد وتتشابك، فهو مقيد في عدد قضاته بقواعد منضبطة، تكفل لهم الدربة الكافية، وهو ملتزم في ضماناته بضوابط شكلية تسعى به إلى العدالة التقليدية في روية وأناة، تسمح بكشف ما يطمسه المتنازعون من معالم الحقيقة، ومن ثم فقد سمحت الفرصة للتحكيم أن يصول في الميدان بما حباه نظامه من قدرة على أن يزيد في عدد الحكام بقدر الحاجة، ومن عدم التقيد بالضوابط الشكلية سعيًا إلى العدالة على أسس تختلف عن المفهوم التقليدي لها أمام محاكم السلطة القضائية في الدولة، هذا إلى جانب أن التسليم بحق الخصوم في اختيار قضاتهم، يسمح لهم بانتقاء محكمين على مستوى عال من الخبرة والتخصص في النزاع المعروض، فيوفر لهم ذلك ما لا يستطيع النظام القضائي العادي توفيره من قضاة متخصصين تخصصًا دقيقًا في جميع المجالات، فإذا أضيف إلى ذلك ما يحققه التحكيم للخصوم من تحديد جلسات نظر المنازعة في الأوقات التي تناسبهم، وفقًا لظروف العمل القضائي في المحاكم، وما يكفله من الانتهاء من الحسم في وقت محدد يعد قصيرًا جدًّا إذا قورن بما يستغرقه الفصل في النزاع أمام محاكم السلطة القضائية، فإنه لذلك يكون قد وضح أن التحكيم جدير بأن يكسف الجولة أمام القضاء في هذا المضمار.

على أنه بجانب ما تقدم فقد كان هناك أمران هامان كان لهما الأثر الفعال في هذا الشأن أولهما: ما يحققه التحكيم من حفاظ على أسرار المتخاصمين بقدر أوفى كثيرًا مما تفضحه علانية الجلسات وسائر تطبيقات مبدأ العلانية في المحاكمات القضائية. وثانيهما: ما يوفره التحكيم من السرعة في تنفيذ الحكم الذي يصدر منه، بما يقطع دابر الأضرار التي تنشأ عن عجز المحكوم لهم عن تنفيذ الأحكام الصادرة لصالحهم بسبب تعدد درجات التقاضي وقابلية الحكم للطعون العادية وغير العادية وإشكالات التنفيذ، وما قد يقع من خطأ في الإجراءات الشكلية فيهدم في لحظة ما بناه القضاء في سنين عديدة، إلى غير ذلك من المعوقات التي يستطيع الخصوم في التحكيم أن يتحاشوها كلها أو معظمها، بقواعد محددة يتفقون عليها قبل صدور الحكم الفاصل في الخصومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>