للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أجل ذلك وجد خصوم المنازعات الحديثة غايتهم في نظام التحكيم، وتبينت الدول أن ما ظنته عدوانًا على سيادتها أو نيلًا من قضائها لا يمثل الواقع، فسيادة الدولة ما تزال في قمتها، ما دام أن نظام التحكيم نفسه لا يقوم إلا برضائها، وفي حدود ما تسمح به، وقضاؤها لا ينزل عن شموخه إذا سمح للتحكيم أن يشاركه في حسم المنازعات، فالمرجع والمآل إليه، وهو الذي يسبغ على التحكيم من قوته ما يقيله من عثرته إذا ما تعثر في الإجراءات، أو يدفع بالحكم الذي يصدر منه في طريق التنفيذ إذا ما وضعت أمامه العراقيل والعقبات التي تأباها العدالة، وذلك كله دون أن ينتحى القضاء عن أن يكون صمام الأمان في تطبيق العدالة بل وفي احتكار هذا التطبيق وقصره على نفسه في الحالات التي ترى الدولة ألا تتخلى عن تحقيقها العدل بنفسها.

والمتبع للتحكيم في العصر الحاضر يجد أنه في نماء مستمر، فلم يقنع بالمنازعات بين الأفراد، وإنما امتد ليشمل المنازعات بين الأفراد والدول، وبين الدول بعضها والبعض الآخر، ولم يقف عند حد التحكيم الحر الذي يطلق فيه للأفراد العنان في اختيار قواعد التحكيم ومكانه ومدته وأشخاص المتحكم إليهم وإنما شمل كذلك التحكيم الذي يلجأ فيه الخصوم إلى هيئات دائمة انتشرت في أنحاء العالم تحت اسم محاكم التحكيم، أو مراكزه أو غرفه أو جمعياته، وهي هيئات تسعى إلى خدمة أطراف التحكيم وتهيئة الظروف لإجرائه بما توفره من فنيين دائمين (سكرتارية) وما تسنه من لوائح، أو تضعه من قوائم بأسماء المحكمين المؤهلين في مختلف فروع التخصصات (١)

٢- وقد رحب الإسلام بالتحكيم كنظام لفض المنازعات بين الأفراد، وبين أمة الإسلام وغيرها، وأقر الأطراف المتنازعة على حقهم في اختيار المحكمين، وفي انتقاء القيود التي تقيد حكومتهم، ولكنه لم يطلق العنان لإرادة الأطراف، وإنما وضعها في إطار محدد، كان من أهم معالمه أنه احتجز بعض الموضوعات للقضاء المولى من جانب ولي الأمر، وألزم المتحاكمين بعدم الخروج على شريعة الله عند تحديد القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق على المنازعة.


(١) الدكتور أبو زيد رضوان: الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، ص ٢١، دار الفكر العربي

<<  <  ج: ص:  >  >>