وممن قال بقوله المالكية الحنابلة، قال ابن قدامة في مغنيه في باب الربا والصرف: الحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقدًا مباحًا يريد به محرمًا مخادعة وتوسلًا إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق ونحو ذلك ... فمن ذلك ما لو كان مع رجل عشرة صحاح ومع الآخر خمسة عشر مكسرة، فاقترض كل واحد منهما ما مع صاحبه، ثم تباريا وتوصلا إلى بيع الصحاح بالمكسرة متفاضلًا، أو باعه الصحاح بمثلها من المكسرة، ثم وهبه الخمسة الزائدة ... وهكذا لو أقرضه شيئًا أو باعه سلعة بأكثر من قيمتها توصلًا إلى أخذ عوض عن القرض، فكل ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم، وبهذا قال مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: ذلك كله وأشباهه جائز إذا لم يكن مشروطًا في العقد وقال بعض أصحاب الشافعي: يكره أن يدخلا في البيع على ذلك، لأن كل ما لا يجوز شرطه في العقد يكره أن يدخلا عليه (١) .
وقد أقام كل من ابن رشد وابن قدامة الأدلة على عدم جواز ما ذكراه من حيل على الربا ولكن ما ساقاه من أدلة لا يفيد لأنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة وهذا مجمع عليه، وإنما يجري الخلاف في ذرائع خاصة وهي بيوع الآجال ونحوها فالمطلوب في سنن آداب البحث والمناظرة أن تذكر أدلة خاصة بمحل النزاع، وأن قصد القياس على ما ذكراه من أدلة كقوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} . [الأنعام: ١٠٨]
وقوله صلى الله عليه وسلم:((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها)) . وقوله صلى الله عليه وسلم:((من أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار)) ، رواه أبو داود وغيره، وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف متفرقين وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا..