للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن في هذا القرآن المبين لشهادة صريحة بتعبد الله خلقه بسنة نبيه، واقتضائه منهم العمل بها، والامتثال لأمره ونهيه فيها. قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] ، وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: ٥٤] ، وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] . قال الشيخ ابن عاشور: (وهذه الآية جامعة للأمر باتباع ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل، فيندرج فيها جميع أدلة السنة) . (١) والإسلام الذي هو تسليم لله واستسلام له، واعتراف للخالق بالوحدانية المطلقة في كل شيء وللرسول بالتبليغ لأمر ربه والدعوة لدينه، جملة حقائق وتعاليم يدين بها المرء، فلا تقبل زيادة ولا نقصاناً، ولا يكون له معها خيرة في الأمر من أوامر الله أو رسوله، إن شاء فعل، وإن شاء ترك؛ لقوله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] .

وإن إخلاص الدين لله لا يكون إلا بالانقياد الكامل، والامتثال التام، والاتباع المطلق لما أمر به الله ورسوله، وإن أوامر هذا الدين ونواهيه لجارية على اعتبار مقاصد شرعية جليلة ودقيقة، تحقق للمؤمنين ما فيه صلاحهم الروحي والاجتماعي، وتقيهم المفاسد والمخاطر.

وهذا ما نبه إليه القرآن الكريم في قوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] . والرسول الكريم هو الداعي إلى الخير، والقائد إلى الخير، وهو الأسوة الحسنة. ومتى ما ثبتت سنته، وصحت الأحاديث المنقولة عنه، ساعدت الآخذين بها من المتبعين لسبيله على بلوغ أسباب الهداية، وإدراك المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، والتي بوأها صلى الله عليه وسلم أصحابه وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وذلك ما عناه عليه الصلاة والسلام عند تعريفه للفرقة الناجية بقوله: ((ما أنا عليه وأصحابي)) (٢)


(١) التحرير والتنوير: ٢٧/٨٧
(٢) حديث ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل. ت: ٥/٢٦، ٤١ كتاب الإيمان، ١٨ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، ح ٢٦٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>