للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يتضح لنا، ولكل من فقه الإسلام وأدرك مقوماته وخصائصه ومميزاته، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بسنته من أقواله وأفعاله وسلوكه المثال الصادق، واللسان الناطق بتلك الحقائق المميزة الفاضلة جميعها. وإن الخبراء وأهل الحق والمعرفة ليعتبرون لذلك السنة هيكل بناء الإسلام، ويجدون فيها، مدى الدهر، الغذاء الروحي والعلاج النفسي والسلوكي الكامل للمؤمنين، وهي عندهم، وعند الصادقين من غيرهم، ممن عرفوا بالنزاهة الفكرية، والتزموا فيما صدروا عنه من بحوث ودراسات بالموضوعية العلمية، الطريق الوحيدة لإدراك أسباب النهضة والعزة في العصور الأولى للتاريخ الإسلامي، ومعرفة دواعي التخلف والانهزام والانحلال والتبعية فيما لحقها من أطوار.

وإنا لنزداد إيماناً بذلك، وإيقاناً بالإسلام، واعتداداً بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم متى سبرنا أغوار الرسالة المحمدية، وعلمنا إلى أي حد كان اهتمام رسولنا شديداً بالحياة الإنسانية واتجاهاتها المكتشفة في المظهرين: الروحي والمادي، ولمسنا تطرق هديه في الحياة كلها في مظاهرها الخلقية والعملية الفردية والاجتماعية بما يخرج الناس من الحيرة، ويرفع عنهم القلق، ويملأ قلوبهم طمأنينة ورحمة، ويبني لهم أكرم حياة مدنية وأكمل نظام اجتماعي، هو النظام الإسلامي المتميز.

ولنتمكن من تصور هذا النظام، في الدقيق والجليل من جزئياته وفرائده، يكون حتماً علينا أن نعود إلى ذلك التراث النبوي الفريد الذي جمعه لنا أصحاب رسول الله، ورواه عنه أتباعهم ومن سلك سبيلهم؛ قصد الاستمداد منه، والتحلي به، والتخلق بآدابه، والعمل بحسبه في كل الشؤون والتصرفات. فلقد أقاموا بصنعهم الجميل للإسلام دولته الزاهرة، وللأمة الإسلامية حضارتها الباهرة، وإن هؤلاء وأولئك لنجوم الاهتداء، وطريقنا إلى معرفة السنة، والسند القائم بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يصلنا بها ويجليها لنا، ويقدم عن طريقها للخلف فيوضات الحكمة النبوية وتعاليمها الشريفة السنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>