للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (إن الصحابة، رضوان الله عليهم، وكلهم عدول، قد سمعوا كما قال ابن القيم من النبي صلى الله عليه وسلم، الأحاديث الكثيرة، ورأوا من الأحوال المشاهدة، وعلموا بقلوبهم من مقاصده ودعوته ما يوجب فهم ما أراد بكلامه ما يتعذر على من بعدهم مساواتهم فيه. فليس من سمع وعلم ورأى من حال المتكلم كمن كان غائباً لم ير ولم يسمع، أو سمع وعلم بواسطة أو وسائط كثيرة. وإذا كان للصحابة من ذلك ما ليس لمن بعدهم، كان الرجوع إليهم في ذلك دون غيرهم متعيناً قطعاً) . (١)

وعن هؤلاء الأئمة المتقدمين حملة الكتاب ورواة السنة، الذين لا يدانيهم أحد في المنزلة والرتبة أخذ التابعون وأتباع التابعين، ومن انخرط في سلكهم من العلماء المحدثين، والحفاظ المعتمدين، والأثبات المدققين، ممن شهد لهم الخاص والعام بالثقة والإتقان والحفظ والضبط، وأطبق جمهور علمائنا على كونهم: (من أعظم الناس صدقاً وأمانة وديانة، وأوفرهم عقولاً، وأشدهم تحفظاً وتحرياً للصدق ومجانبة للكذب، وإن أحداً منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه ولا شيخه ولا صديقه، وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريراً لم يبلغه أحد سواهم، ولا من الناقلين عن الأنبياء، ولا من غير الأنبياء. وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ، حتى انتهى الأمر إلى من أثنى الله عليهم أحسن الثناء وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم، واتخاذ إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة) (٢)

فإذا جاء عن طريق هؤلاء من الأخبار والسنن ما تم نقده وتمحيصه، ووصلنا من الأحاديث الثابتة عنهم ما عرف صدقه وصحت روايته، لزم العمل به؛ لما فيه من تزكية للنفوس، وتلقين للحكمة، وبيان لأسباب نزول القرآن، وتفسير لألفاظه ومعانيه، وتفصيل لأغراضه، وغوص على أسراره ودقائقه، وشرح لمجمله، وتقييد لمطلقه، وتخصيص لعمومه، وتعيين لمبهمه. وقد ورد عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بيان وجه الأخذ بالسنة عند مجادلة الضالين وتحريف المبطلين، وذلك قوله: (سيأتي ناس يجادلون بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله) . (٣)


(١) ابن القيم: الصواعق المرسلة: ٥٥٩
(٢) ابن القيم: الصواعق: ٥٦٩ - ٥٧٠
(٣) الدارمي، المسند (ص ٢٨) . البغوي، شرح السنة: ١/٢٠٢. علي حسب الله، أصول التشريع الإسلامي (ص ٣٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>