للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز انعقاد العقد بإشارة الأخرس أو معتقل اللسان المفهومة باتفاق الفقهاء للضرورة، حتى لا يحرم من حق التعاقد، لذا نصت القاعدة الفقهية: (الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان) [المجلة: م٧٠] . وأجاز فقهاء المالكية والحنابلة التعبير عن الإرادة من الناطق بالإشارة المفهمة المتداولة عرفًا، لأنها أولى في الدلالة من الفعل الذي ينعقد به العقد، كما في المعاطاة (١) .

ويصح التعاقد بالكتابة بين طرفين في رأي الحنفية والمالكية سواء أكانا ناطقين أو عاجزين عن النطق، حاضرين في مجلس واحد أو غائبين، وبأي لغة يفهمها المتعاقدان، بشرط أن تكون الكتابة مستبينة (بأن تبقى صورتها بعد الانتهاء منها) ، ومرسومة (مسطرة بالطريقة المعتادة بين الناس بذكر المرسل إليه وتوقيع المرسل) فإذا كانت غير مستبينة كالكتابة على الماء أو في الهواء، أو غير مرسومة كالرسالة الخالية من التوقيع مثلًا، لم ينعقد بها العقد (٢) ، وعليه نصت القاعدة الفقهية: (الكتاب كالخطاب) [المجلة: م٦٩] . مثل أن يرسل شخص خطابًا لآخر يقول فيه: (بعتك سيارتي بكذا) فإذا وصله الكتاب، وقال في مجلس قراءة الكتاب: قبلت، انعقد البيع. أما إن ترك المجلس أو صدر منه ما يدل على الإعراض عن الإيجاب، كان قبوله غير معتبر.

وإرسال رسول إلى آخر حامل مضمون الإيجاب مثل إرسال الكتاب، يعتبر مجلس وصول الرسول هو مجلس العقد، فيلتزم أن يقبل فيه، فإن قام من المجلس قبل أن يقبل، انتهى مفعول الإيجاب، ويكون المعول عليه هو مجلس بلوغ الرسالة أو الكتابة، كأن يقول شخص: بعت لفلان كذا، فاذهب يا فلان وقل له، فذهب فأخبره فقبل المشتري في مجلسه ذلك، صح العقد.

ومهمة الرسول أضعف من مهمة الوكيل، لأن الرسول مجرد مفوض بنقل تعبير المرسل دون زيادة أو نقصان، أما الوكيل فإنه يتولى إبرام العقد بعبارته، ولا يتقيد في الوكالة المطلقة إلا بالمعتاد المتعارف عليه، أما في الوكالة المقيدة بمكان أو زمان أو شخص أو محل معقود عليه أو بدل عقدي فيتم التعاقد بين الوكيل والقابل بعبارة الوكيل المقيدة بقيود الوكالة، وتعود حقوق العقد أي الالتزامات إلى الوكيل بعكس الرسول لا يتحمل شيئًا منها، أما حكم العقد الأصلي أي نقل الملكية فيعود إلى الموكل والمرسل على السواء.

ولا ينعقد عقد الزواج بالكتابة إذا كان العاقدان حاضرين في مجلس واحد، إلا في حال العجز عن النطق كالخرس، لأن الزواج يشترط لصحته حضور الشهود العدول وسماعهم كلام العاقدين، وهذا لا يتيسر في حال الكتابة.

وقيد الشافعية والحنابلة صحة التعاقد مطلقًا بالكتابة أو الرسالة فيما إذا كان العاقدان غائبين أما في حال الحضور فلا حاجة إلى الكتابة، لأن العاقد قادر على النطق، فلا ينعقد العقد بغيره (٣) .


(١) الشرح الكبير للدردير: ٣/٣، المغني: ٥/٥٦٢.
(٢) الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين: ٤/١٠ وما بعدها، فتح القدير: ٥/٧٩، البدائع: ٥/١٣٧، الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي: ٣/٣.
(٣) المهذب: ١/٢٥٧، غاية المنتهى: ٢/٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>