للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شروط الإيجاب والقبول:

اشترط الفقهاء لانعقاد العقد شروطًا ثلاثة في الإيجاب والقبول وهي ما يلي (١) .

١- وضوح دلالة الإيجاب والقبول: أي أن يكون كل من الإيجاب والقبول واضح الدلالة على مراد العاقدين، بأن تكون مادة اللفظ المستعمل لهما في كل عقد تدل لغةً أو عرفًا على نوع العقد المقصود للعاقدين، لأن الإرادة الباطنة خفية، ولأن العقود يختلف بعضها عن بعض في الموضوع والأحكام، فإذا لم يعرف بيقين أن العاقدين قصدا عقدًا معينًا بعينه، لا يمكن إلزامهما بأحكامه الخاصة به.

ولا يشترط لهذه الدلالة لفظ أو شكل معين، فإن الشكلية في غير عقد الزواج الذي لا بد فيه من الشاهدين، والعقود العينية التي يشترط فيها القبض لتولد آثار العقد (وهي الإيداع والإعارة والرهن والهبة والقرض) غير مطلوبة فقهًا، لأن العبرة في العقود للمعاني، لا للألفاظ والمباني، فيصح البيع بلفظ الهبة بعوض، وينعقد الزواج بلفظ الهبة إذا اقترن بالمهر.

٢- تطابق القبول والإيجاب: بأن يكون القبول موافقًا للإيجاب، بأن يرد على كل ما أوجبه الموجب وبما أوجبه، أي على كل محل العقد، ومقدار البدل في عقود المعاوضات، سواء أكانت الموافقة حقيقية، كما لو قال البائع: بعتك الشيء بعشرة، فيقول المشتري: اشتريته بعشرة، أو ضمنية، كما لو قال المشتري في المثال السابق: اشتريته بخمس عشرة، أو أن تقول المرأة: زوجتك نفسي بمائة، فيقول الزوج: قبلت الزواج بمائة وخمسين، فالتوافق متحقق ضمنًا، وهذه المخالفة خير للموجب. لكن لا يلزم العقد إلا بالمقدار الذي وجهه الموجب، أي مائة في المثال الأخير، وأما الزيادة فموقوفة على قبول الموجب في مجلس العقد، فإن قبل به الموجب، لزم القابل، لأن المال لا يدخل في ملك إنسان بغير اختياره إلا في الميراث. وهذا مذهب الحنفية. أما الشافعية فيرون أن أي مخالفة تعد رفضًا للإيجاب (٢) .

فإن لم يتطابق القبول مع الإيجاب، وحدثت مخالفة بينهما، لا ينعقد العقد، كأن خالف القابل في محل العقد، فقبل غيره، أو بعضه مثل قول البائع: بعتك الأرض الفلانية، فيقول المشتري: قبلت شراء الأرض المجاورة لها، أو قبلت شراء نصفها بنصف الثمن أو البدل المتفق عليه، فلا ينعقد العقد، لمخالفة محل العقد، أو لتفرق الصفقة على البائع، والمشتري لا يملك تفريقها، أي تجزئتها، بأن يقبل بعضها دون البعض الآخر.

وإذا خالف في مقدار الثمن، فقبل بأقل مما ذكر البائع، لا ينعقد العقد أيضًا. وكذا لو خالف في مقدار الثمن، فقبل بأقل مما ذكر البائع، لا ينعقد العقد أيضًا. وكذا لو خالف في وصف الثمن لا في قدره، كأن أوجب البائع بثمن حالٍّ نقدي، فقبل المشتري بثمن مؤجل، أو أوجب بأجل إلى شهر معين، فقبل المشتري بأجل أبعد، لم ينعقد البيع في الحالتين، لعدم تطابق القبول مع الإيجاب وحينئذ لا بد من إيجاب جديد.


(١) البدائع: ٥/١٣٦، فتح القدير: ٥/٨٠، حاشية ابن عابدين: ٤/٥، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٣/٥، نهاية المحتاج: ٣/٨ – ١٠، مغني المحتاج: ٢/٥ وما بعدها.
(٢) مغني المحتاج: ٢/٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>