قد قال بعض من تكلم من المحدثين في هذا الموضوع: إن اختيار البخاري لرواية الأربعينات الثلاث، وعدم ذكره لما خالفها، نوع من الترجيح.
ولكن يمكن أن ننظر في هذا الأمر بطريقة أخرى، وهي أن كثرة الرواة، واتفاقهم على طريقة واحدة، ترجح على رواية الواحد.
فإذا علمنا أن الرواة عن ابن مسعود في الروايات التي صحت سندًا لم يأت بالأربعينات إلا واحد منهم فقط هو المسمى زيد بن وهب: نعلم بذلك رجحان رواية أن الأربعين واحدة، حيث إنها قد صحت واتفق عليها سائر الرواة.
وهذا الترجيح هو المطابق لكلام الأصوليين والمحدثين، طبقًا لما يذكرونه في باب التعارض، من أن الترجيح بكثرة الرواة أصل معتبر، خاصة وقد صحت الروايتان من حيث السند، وتكون رواية الأربعينات الثلاث شاذة.
فإذا صح هذا الترجيح لزمنا أن نعتبر أن نفخ الروح، وما ذكر معه إنما يكون بعد أربعين، أو اثنين وأربعين، أو خمسة وأربعين يومًا، وليس بعد مائة وعشرين يومًا.
وينبغي أن تبنى الأحكام على هذا التوقيت لا على التوقيت بأربعة أشهر.
ويمكن أن نذهب إلى طريقة الجمع بين الروايتين، حيث إن الجمع في حال التعارض أولى من الترجيح.
فأشير إلى أن رواية ابن مسعود التي فيها الأربعينات الثلاث رويت في الصحيحين بطرقتين:
الأولى: قالت: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه المَلَكُ)) .
أما الرواية الثانية: فأرجو أن يتنبه إلى لفظها: هي تقول: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك)) .
فهذا الاختلاف لا شك أنه وقع بعد ابن مسعود وليس من ابن مسعود نفسه.
فإذا دققنا النظر في الرواية الثانية أمكن أن تحل الإشكالات كلها، فهي قالت:((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك)) .