للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: "في ذلك" يعود إلى ماذا؟

لم أجد أحدًا تكلم في الفرق بين الروايتين، ولعلهم استسهلوا فهم الرواية الأولى ففهموا أنها أربعينات ثلاث، ولكن أغفلوا الكلام عن الرواية الثانية:

إن كلمة "في ذلك" لا يظهر لها أي مرجع ترجع إليه إلا قوله (أربعين يومًا) أي تكون أيضًا علقة في الأربعين الأولى، وكذلك مرحلة العلقة هي أيضًا في الأربعين الأولى، وبهذا تجتمع جميع الروايات عن ابن مسعود وغيره، ولا يكون بينها تعارض.

ومآل الطريقتين واحد: إن قلنا بالتعارض والترجيح فالمدة أربعون يومًا فقط، وإن قلنا بالجمع فالمدة أربعون يومًا فقط كذلك.

أما القضية الرابعة: التي ذكرت في رواية ابن مسعود، فهي أن المَلك ينفخ الروح في الجنين في زورته تلك، فهذه القضية لم تذكر في أي رواية أخرى إلا في رواية ابن مسعود، إلا أنها رويت عن ابن عباس من قوله.

وأيضًا هنا أتكلم من وجهة نظر أصولية وحديثية صرفة.

قد يظن أن هذا أيضًا من باب تعارض الروايات.

ونقول: لا، ليس هذا من باب التعارض في شيء، بل هذا من زيادة بعض الرواة عن البعض الآخر، فقد أتى بتفصيل لم يذكره غيره، فيكون هذا من باب (زيادة الراوي الثقة) وليس من باب التعارض.

(وزيادة الراوي الثقة) قد تضعف بسبب عدم مشاركة غيره من الرواة له في تلك الزيادة، وانفراده بذلك، لأن غيره كان يسمع كما سمع، فلماذا أتى هو بما لم يأت به غيره؟

ولكن الراجح عند العلماء أن زيادة الراوي الثقة عن غيره مقبولة، ويعلم بمضمونها وعلى هذا فرواية (نفخ الروح) في زيارة الملك معتمدة ومقبولة، وتؤيدها إشارات قرآنية وحديثية أخرى، بخلاف قضية الأربعينات الثلاث.

وقد تعرضت لهذه المسألة في ندوة الإنجاب بإيجاز ولم أزل أقلبها في ذهني، وقد رجعت إلى كثير من الروايات، وأرجو أن يكون هذا الأمر الذي وصلت إليه كاشفًا للأمر، وجامعًا بين الروايات، ويثبت عندنا أن زيارة الملك إنما هي بعد أربعين واحدة فقط.

والمسألة – مع ذلك - بحاجة إلى مزيد من البحث، بحيث تجمع جميع الروايات من كتب الحديث، بأسانيدها ومتونها، جمعًا مستقصيًا، ثم ينظر فيها بعد ذلك بحسب ما تقتضيه الأصول المقررة لدى المختصين، ويخرج برأي حاسم في الموضوع والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>