للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الذي قالوه من التفريق بين من فيه حياة مستقرة، وبين من لم يبق فيه إلا مثل حركة المذبوح واضح، فإن الأول حي يجري عليه حكم الأحياء، أما الثاني فهو (في حكم الميت) كما عبر الحنفية والحنابلة، أو هو (ميت) كما عبر الشافعية، ولذا نأخذ في حقه بأنه لا يرث لو مات له قريب في تلك الحال، ولو ضربه آخر ضربة أقعصته في الحال، فالقاتل الأول، ويكون على الثاني التعزير للإساءة، وقد لا يكون ثمة تعزير إن لم يكن الغرض الانتهاك.

إنني أرجو تدقيق النظر من هذه الوجهة، والتأمل الحق الذي دعا إليه ابن عابدين رحمه الله:

أولًا: الجريح الذي لم يبق منه إلا مثل حركة المذبوح، والذي اتفقت كلمة من ذكرناهم على اعتباره ميتًا أو في حكم الميت، فإن قلبه يعمل، وأعضاءه تتحرك، ومع ذلك فلا يعامل معاملة الحي، ولا يحكم له بحكم الحي، وما ذلك إلا لليقين الحاصل بأنه إلى الموت سائر، وأنه قد تجاوز نقطة اللاعودة، ولم يبق من حياته ما يعتد به.

وثانيًا: الذي في النزع من غير جناية ولم يبق منه إلا مثل حركة المذبوح، اعتبروه في حكم الحي، لكنهم عللوا ذلك بأمر واضح، هو عدم العلم قالوا: "لأنه لا يتحقق موته" كما عبر الحنفية، أو "لأنه قد يعيش" كما عبر الشافعية.

إذن يبدو أن الأمر في حق من لم يبق منه إلا مثل حياة المذبوح راجع إلى التحقق وعدمه، ووسيلة التحقق قد تكون ظاهرة لكل أحد، كالذي قطعت عنقه أو أبينت حشوته، وقد تكون خفية لا يعلمها إلا حذاق الأطباء، لكنهم منها متيقنون، كالذي مات منه الدماغ.

هذا ما نقوله في هذا المؤتمر على سبيل البحث والنظر، لا على سبيل الإفتاء به، والإذن في الأخذ به لأحد من الناس.

فإذا تأيد هذا في مؤتمركم الموقر، ووافق على الأخذ به علماء الشرع، يبقى القول في أمرين:

الأول: أنه هل ينبغي أن يقال: إن المريض في تلك الحال (ميت حقيقة) أم أن يقال: (هو في حكم الميت) كما قال الحنفية؟

والذي أراه أنه ينبغي أن يقال: هو حي في حكم الميت، أي يعامل معاملة من قد مات في نزع أجهزة الإنعاش عنه، وفي أخذ أعضائه، لا في الميراث ونحوه (١)

الثاني: ما هي الاحتياطات التي ينبغي اتخاذها من حيث الخبرة، ومن حيث الثقة والأمانة، لنضمن عدم حصول التجاوزات غير المنضبطة؟

والله أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.


(١) أي فلا يورث حتى يتوقف قلبه ليكون ميتًا حقيقة، وكذلك عدة زوجته ونحو ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>