ولو كان المفتي يفتي بجواز زراعة القلب، ويفتي أيضًا بأن الإنسان حي ما دام قلبه يعمل إن كان دماغه قد مات، فهل تعتبر فتاواه متناقضة من وجهة النظر الطبية؟
سادسًا: ما الذي وصلت إليه القوانين بهذا الخصوص في الدول المعاصرة؟
عودة إلى الفقه الإسلامي:
نعود إلى فقهنا الإسلامي العظيم لنبحث عن نور يعيننا على استجلاء ما نحن فيه من الحيرة.
ونجد فقهاءنا قد تعرضوا لشيء شبيه بما نحن فيه.
فقد ذكر فقهاء الحنفية لمن (قتل) إنسانًا قد وجد فيه سابقًا سبب الموت ثلاث حالات:
الحالة الأولى: لو جرح إنسان آخر بأن شق بطنه أو نحو ذلك، وأشرف المجروح على الموت، ولكن فيه حياة مستقرة، فقطع عنقه آخر، فالثاني هو القاتل وليس الأول.
ومعنى "فيه حياة مستقرة" أن يتوهم فيه أن يعيش يومًا أو بعض يوم.
الحالة الثانية: قطع إنسان عنق آخر، وبقي من الحلقوم قليل وفيه الروح، فجاء آخر فقطع عنقه، فلا قصاص على الثاني، والقصاص على الأول، لأنه لا يتوهم بقاؤه، ولم يبق إلا اضطراب الموت، وحركته حركة مذبوح، فكأن الثاني ضرب من هو في حكم الميت، ولا قصاص في ذلك على الثاني.
الحالة الثالثة: مريض في النزع، من غير جناية، لم يبق منه إلا مثل حركة المذبوح، فقتله قاتل، فاختلف كلام الحنفية، وقيل: إن الصواب أن عليه القصاص وإن كان القاتل يعلم أنه لا يعيش به، وهذا هو الذي صوبه ابن عابدين.
وقيل: إذا كان يعلم أنه لا يعيش فلا قصاص على القاتل، لأن المقتول كان في حكم الميت.
وذكر ابن قدامة من الحنابلة الحالتين الأوليين وقال: لا نعلم فيهما خلافًا (المغني ٧/ ٦٨٤) ومثله في (كشاف القناع ٥/ ٥١٦) والشافعية أيضًا ذكروا الحالات الثلاث، ولم يختلف كلامهم في الحالة الثالثة أن على القاتل القصاص.
أما الفرق بين الحالة الأولى والثانية فواضح.
وأما الفرق بين الحالتين الثانية والثالثة فقد قال ابن عابدين "لعل الفرق بين هذا وبين من هو في حالة النزاع، أن الموت في حالة النزاع غير متحقق فأن المريض قد يصل إلى حالة تشبه النزاع، بل قد يظن أنه قد مات، ويفعل به كالموتى، ثم يعيش بعده طويلًا، بخلاف من شق بطنه، وقطعت حشوته، أو قطع عنقه، ولم يبق منه إلا حركة المذبوح، فإنه يتحقق موته، لكن إذا كان فيه من الحياة ما يعيش معها يومًا فإنها حياة معتبرة شرعًا، فلذا يكون القاتل هو الثاني، أما لو كان يضطرب اضطراب الموت من الشنق فالحياة فيه غير معتبرة أصلًا، فهو ميت حكمًا، فلذا كان القاتل هو الأول، وقال: هذا ما ظهر لي فتأمل".
وكذلك فرق الشافعية: قال النووي والمحلي: "لو أوصله رجل إلى حركة مذبوح بأن لم يبق إبصار ونطق وحركة اختيار، ثم جنى عليه آخر، فالأول هو القاتل، ويعزر الثاني لهتكه حرمة ميت"، ثم قال: "ولو قتل مريضًا في النزع، وعيشه عيش مذبوح، وجب بقتله القصاص، لأنه قد يعيش، بخلاف من وصل بالجناية إلى حركة مذبوح" (شرح المنهاج ٤ /١٠٣) .
قالوا "ولا ينتقل ماله –أي مال الذي في النزع- للوارث، بخلاف الجريح".